الأدب الثالث من آداب الحوار: حسن الاستماع والإصغاء: أيها الحبيب: فن الإصغاء إلى الآخرين قلَّ من يجيده، وأكثرنا نجيد الحديث أكثر مما نجيد الاستماع، والله تعالى جعل لك لساناً واحداً وجعل لك أذنين، حتى يكون ما تسمعه أكثر مما تتكلم فيه، فلا بد أن تسمع جيداً، ولا بد أن تستوعب جيداً ما يقوله الآخرون وبين قوسين أذكر نكتة ذكرناها في دروس بلوغ المرام أكثر من مرة، لكن لا مانع أن نُطرف بها الحضور، وهي عن علي بن أبي طالب، فهو يحث تلميذه على الاستماع إليه والإنصات إليه، فيقول له كلمة فيها غرابة لغوية: [[ألصق روانفك بالجبوب، وخذ المزبر بأباخسك، واجعل جحمتيك إلى أثعباني حتى لا أنبس بنبسة إلا أودعتها بحماطة جنجنانك]] فهذه كلمة غريبة سألوا عنها الفيروز أبادي وهو بالروم قالوا: ماذا قصد علي رضي الله عنه بكلمته تلك؟ قال: يقصد رضي الله عنه أنه يقول: ألزق عضرتك بالصلة، وخذ المسطر بشناترك، واجعل حندرتيك إلى قيهلي، حتى لا أنغي نغية إلا أودعتها في لمظة رباطك.
والمعنى انتبه إلي، واجعل عيونك في فمي، وأنصت إليَّ، فلا أتكلم بكلمة إلا فهمتها ووعيتها بقلبك.
من لي بإنسان إذا أغضبته وجهلت كان الحلم رد جوابه وإذا صبوت إلى المدام شربت من أخلاقه فسكرت من آدابه وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به ويقول أحد الشعراء: إن بعض القول فن فاجعل الإصغاء فنا فضع أذنك للمحدث، وحملقة عينيك بوجهه، وتأملك لما قال يمكن أن يكون دليلاً على قوتك وقدرتك على الحوار، وإذا وجدت ملاحظات فيمكن أن تسجلها في ورقة لتتحدث بها بعدما ينتهي من حديثه.
وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، فربما تحدث معه بعض المشركين بكلام لا يستحق أن يسمع، فأصغى النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده حتى إذا انتهى هذا الرجل وفرغ ما عنده، قال له صلى الله عليه وسلم: {أو قد فرغت يا أبا الوليد؟ -كما في سيرة ابن إسحاق وغيره- قال: نعم، فقل: فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من القرآن} فعليك أن تصغي، ولو كان لك ملاحظات تسجلها ثم تقولها بعد.