الاشتغال ببعض القضايا الممنوعة

إن قضية الاشتغال ببعض القضايا الممنوعة، أو التي هي غير سائغة أصلاً.

فمثلاً: في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ الأمة، وحفظ أخلاقياتها، وأمنها ودينها واستقرارها، هذا مطلب جاء الدين بتحقيقه بالوسائل المشروعة.

1- التجسس على الآخرين: فلماذا تلجأ يا أخي إلى استخدام التنصت الهاتفي، أو موجات الراديو -أحياناً- للتنصت على فلان وعلان من الناس؟ وتطلع على أسرارهم وخصوصياتهم ودخائل بيوتهم وعلاقاتهم؟ افترض أن عنده خطأ، لم يأمرك الله سبحانه وتعالى أن تطلع عليه، البيوت مغلقة على ما فيها، ولا يوجد في الإسلام مثل هذه الأشياء، بل هذه نوع من إهدار كرامة الإنسان وحقه، وإهدار منزلته وإنسانيته، ما أذن لك الشرع بهذا، وما على هذا ولاك المسلمون القيام بأمورهم، من أمرٍ بالمعروف ونهي عن المنكر، وإصلاح وحماية أعراضهم وأموالهم وأبدانهم، فإذا أردت أمراً بالمعروف أو نهياً عن المنكر، وظهر لك أمر فخذ به، فإذا وجدت خطأً مثلاً عالجه، أما ما استتر ولم يتبين لك وتحتاج فيه إلى تنصت، وتحتاج فيه إلى بحث، أو إلى اطلاع أو إلى تسجيل، أو تحتاج أسرار وخصوصيات، فلست بملزم بذلك؛ بل ليس بمأذون لك شرعاً بمثل هذا.

2- الحرص على نقد الناس: من القضايا الممنوعة التي لا ينبغي الاشتغال بها وكثيراً ما نشتغل بها: قضية الحرص على نقد الناس، وهذا داء خطير في الإنسان؛ لأن الواحد حين ينتقد الناس ويكون هذا هو دأبه وديدنه، هو يريد أن يحتجز لنفسه الكمال، فهو إذا قال: إن هذا فيه كذا، وهذا فيه كذا وهذا فيه كذا، فمعنى هذا ضمناً: أن الكمال الذي تفرد به هو محدثكم!! هذا هو المقصود من حيث لا يقول هذا الكلام، لكن هذا المضمون.

تجد من الناس من إذا قيل له: فلان -ما شاء الله- رجل طيب، وإنسان صالح وطالب علم! قال: نعم، لكن المهم العمل، يحاول أن يلفت نظرك إلى ما يعتقد هو أنه عيب موجود فيه، المهم العمل، يعني لا تهتم بأن يكون هو طالب علم، المهم العمل هل هو موجود أم لا؟ مثل أبي سفيان، لما سأله هرقل: هل يغدر محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها، يعني بالإيحاءة، فإذا قلت له: فلان رجل تقي عابد عامل صالح زاهد ورع داعية، قال: نعم، لكن المهم الإخلاص.

حسناً، ما اطلعنا على قلوب الناس! ولو قلت: والله يا أخي ظاهره الإخلاص، وهو كأنه لا يريد إلا وجه الله تعالى، ونحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً.

قال: نعم، ولكن ينقصه العلم الصحيح، ولا شك أن العمل بلا علم يضر أكثر مما ينفع!.

فالمهم أن هذا الإنسان من حيث تريد أن تحجره يريد أن ينفلت، لا يريد أن يعترف لأحد بفضل، ولا يعترف بالفضل لأهله إلا ذو الفضل.

أما من فيه نقص في ذاته، فهو يكون مبتلى بعيب الآخرين وثلبهم ونقصهم، ويجد في ذلك من السرور والأنس واللذة الشيء العظيم مثلما يجد المنصفون إذا مدحوا وأثنوا على من يستحق المدح والثناء، ممن مدحه الله تعالى وأثنى عليه، فإن المدح والثناء وكذلك الذم والعيب، لا يكون بمزاجي ومزاجك وهواي وهواك، لا يكون إلا بالألفاظ الشرعية التي مدح الله بها من مدح، مثل لفظ: الإيمان، والإحسان، والإسلام، والتقوى، والبر، والطاعة، والجهاد، والنصرة، أهل هذه الأوصاف يمدحون، والذم يكون بألفاظ الفسق، والنفاق، والكفر، والضلال، والظلم، والبغي، والعدوان، والفحش، أهل هذه الألفاظ يذمون.

فليس المدح والذم مسألة أمزجة أو مواقف شخصية، المدح والذم قضية شرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015