الاشتغال الدائم بالفرعيات

الاشتغال الدائم بالفرعيات؛ قد يكون عندنا عشرون مسألة وإن شئت فقل: ثلاثون، هي كل ما نتحدث عنه -خاصة نحن طلبة العلم- في مجالسنا الخاصة، لا يكاد يخلو مجلس من مجالسنا -طلبة العلم مثلاً- عن الكلام عن جلسة الاستراحة، هل هي مستحبة، أم مكروهة، أم جائزة، وفي بعض الأقوال بأنها واجبة، وتحريك الإصبع في التشهد، ربما أكثر من عشرين كتاب ألف في هذه المسألة، وتفنن الناس في تحريك الإصبع في التشهد بشكل لم يسبق له نظير.

قضية وضع اليد في الصلاة، أين يضعها؟ على صدره، أم تحت السرة، أم فوق السرة، قضية الهوي إلى السجود، هل يسجد على ركبتيه، أم على يديه أولاً؟ كما أسلفنا.

مع أن ابن تيمية لما تكلم عن هذه المسألة -مسألة الهوي على اليدين أو على الركبتين- قال: هذه من المسائل العويصة المشكلة المختلفة التي الأدلة فيها غير واضحة، وتجد طالب العلم الصغير، أول ما يبدأ يبدأ بهذه المسألة، وليت المسألة تقف عند هذا الحد! قد يؤلف فيها مصنفات أحياناً! وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل قد تجد أن هذا الإنسان أصبح يعتبر هذه المسألة ميزاناً وفيصلاً بين الذي يتبع السنة والذي لا يتبع السنة، فالذي يقدم يديه هذا يتبع السنة، والذي لا يقدم يديه هذا لا يتبع السنة.

الصلاة بالنعال مثلاً، قضية النقاب بالنسبة للمرأة، التسبيح باليمين أم بكلتا اليدين، صلاة التراويح خمس أو عشر أم أكثر أم أقل، هل يجهر بالذكر بعد الصلاة أم لا يجهر؟ قضية دخول الأطفال إلى المساجد وما أشبه ذلك، من المسائل المحدودة التي أصبحت جل همنا وحديثنا وكلامنا، وكل طالب علم أراد أن يجرب خبرته وإمكانيته؛ فإنه يختار بعض هذه المسائل، ويرجع إلى بعض الكتب، ويجمع بعض ما قيل فيها، ويكتب في ذلك مصنفاً أو جزءاً حديثياً أو فقهياً!! وأنا أشير -حتى يكون الكلام واضحاً- إلى أن الاهتمام بهذه المسائل لا حرج فيه، وإعطاءها حقها مطلوب، وأستغفر الله وأتوب إليه أن أقول: إني كغيري من طلبة العلم، إذا مرت هذه المسائل علينا في الدرس، درسناها وبحثناها ونظرنا في الأدلة، ورجعنا إلى كلام أهل العلم، وهناك كتب ألفت في بعض ما ذكرت من المسائل، كتبها طلبة علم كبار ومجتهدون وأخيار وفضلاء، ويشكرون، والعبد الفقير ممن استفاد مما كتبوه، فجزاهم الله خيراً.

نحن لا نعترض على هذه الكتب، الشيء الذي نعترض عليه هو أن تصبح هذه القضايا جل همنا، بل كل همنا، ومدار حديثنا، وملء مجالسنا، بل ملء قلوبنا وعقولنا، إلى متى نظل ندور ثم ندور ثم ندور في مثل هذه القضايا، ونترك القضايا الكبرى، وقضايا الاعتقاد، وقضايا الواقع، وقضايا التخلف العلمي، والتخلف التقني، والتخلف الاقتصادي، قضايا البحث عن موطئ قدم لهذه الأمة الإسلامية؟ إلى متى تظل هذه القضايا مهدرة ونحن نشتغل بغيرها من هذه القضايا الجزئية الفرعية؟! 1- غفلة عن فقه المعاملات: إن هناك غفلة مطلقة في مقابل ذلك عن فقه المعاملات، فتجد عموم بحث الطلاب عن فقه العبادات، والعبادات أمرها واضح؛ لأن فيها نصوص صريحة ولا مجال فيها للاجتهاد، وأمرها واضح وسهل، ولذلك يهتم الإنسان بها لأنها كالجدار القصير، كل إنسان يستطيع أن يقفزه.

لكن فقه المعاملات ليس كذلك، إذا دخل الإنسان إلى فقه البيوع -مثلاً- فلا يستطيع أن يتكلم عن هذه الأمور في قليل ولا كثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015