لكن كم هو مؤسف أن أقول أيها الأحبة: إننا في الوقت الذي نتكلم فيه عن قضية العقيدة، كثيراً ما نجور على هذه العقيدة من حيث لا نشعر، كيف ندرس العقيدة؟ لأن الذي نعرف أن السلف الصالح رضي الله عنهم حين تقرأ كتبهم؛ فإنك تجد أن طريقتهم في تقرير العقيدة -كما في كتب الإيمان لجماعة من أهل العلم والتوحيد، وغيرها من كتب السنة- آية محكمة من كتاب الله، وحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودور العالم ينحصر غالباً في وضع عناوين مناسبة لهذا الحشد من الآيات والأحاديث التي ساقها، فكان الناس يأخذون العقيدة واضحة سهلة قريبة من النفوس، بدون تكلف ولا تعقيد ولا أخذ ولا رد.
العقيدة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واضحة صافية نقية كما أخذها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، بل كما كان يأخذها الأعرابي الذي يأتي من أطراف البادية، ويجلس عند الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة أو ساعتين، فيعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أصول الإيمان، وأصول الاعتقاد، وأصول الأشياء العملية، ثم ينصرف إلى قومه مؤمناً مسلماً، بل ينصرف إلى قومه داعياً إلى الله عز وجل.
تسهيل أمر الدين: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] أحياناً تجد الطالب الذي يتخصص في العقيدة، وقد يقضي سنوات طويلة في دراسة العقيدة يدرس قضايا منطقية وفلسفية، وقضايا الجوهر، والعرض، وقضايا وأمور، ربما يحتاج وقتاً طويلاً لكي يفهمها، ثم يحتاج وقتاً طويلاً لكي يناقشها، ثم يحتاج وقتاً طويلاً لكي يفهم الرد، ثم يحتاج وقتاً أطول لكي يفهم أو يقتنع بأن هذا الرد صحيح، وقد يبقى في قلبه شبهة.
ومما يروى أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، جاءه الإمام ابن القيم، فكان يسأله عن مسائل، فقال له ابن تيمية رحمه الله: لا تجعل قلبك مثل الإسفنجة يتلقى هذه الأشياء ويتشربها، فإنه حينئذٍ قد لا تخرج منه، وإن خرجت يبقى أثرها.
بمعنى: أنه ليس الأصل أن يفترض الإنسان شبهات، وانحرافات، ويفترض مذاهب باطلة، ويبقى يرد عليها، ونُعلِّم الطالب الصغير والمسلم الجديد منذ أن يدخل في الإسلام أن هذا ضال، وهذا منحرف، وهذا خطأ وهذا باطل!! يا أخي، علِّمه الحق أولاً، علِّمه الحق نقياً صافياً من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا خشيت أن يواجهه مثل هذه الأشياء، بحكم واقعه العملي، تعطيه إياه بطريقة سليمة مناسبة؛ لأنه من المؤكد أن الإنسان لو عرف العقيدة الصحيحة، عرف العقيدة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقيةً صافيةً لا غموض فيها ولا غبش، كما تلَّقاها الجيل الأول والصدر الأول، وأشرب قلبه بها وأحبها، هذا الإنسان لو مات على ذلك، وهو لم يدرِ أن هناك طائفة من الطوائف -مثلاً- اسمها الأشاعرة، وما درى أن هناك طائفة اسمها المعتزلة، ولا علم أن هناك طائفة اسمها الجبرية، والقدرية، والجهمية، والمعطلة، كل هؤلاء ما عرفهم، ولا يدري من أي شاربة يشربون، ولا من أي واردة يردون، لكنه عرف العقيدة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى عليه وسلم، ألم تتحقق له النجاة بإذن الله تعالى؟ بلى، ومن المؤكد أن أبا بكر وعمر وسائر الصحابة، ما عرفوا هذه المذاهب الباطلة؛ لأنها لم تكن موجودة في وقتهم.