العقيدة ليست مربوطة بالأشخاص

مثال آخر: العقيدة من كتاب الله وسنة رسوله ليست مربوطة بشخص وإنما الأشخاص دعاة يفتخرون بالانتساب إليها، فأنت حين تجد علماً من الأعلام خذ مثلاً: 1- شيخ الإسلام ابن تيمية: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، إنما اشتهر وذاع صيته وصار له القِدْح المُعَلَّى، وصارت له المكانة؛ لأنه لم يدعُ الناسَ إلى مذهب خاص، ولا إلى رأي شخصي، ولا إلى اجتهادات ذاتية، وإنما دعا الناس إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه كل بضاعته، فهو لا يأتي بشيء من كيسه أو من عنده، إنما يُحِيل الناس إلى الكتاب والسنة؛ ولذلك صار شيخ الإسلام.

إذاً ليست القضية عندنا قضية شيخ الإسلام ابن تيمية، القضية عندنا قضية العقيدة الصحيحة، وشيخ الإسلام ابن تيمية كل من عرفه أحبه، وكل من قرأ كتبه عظمه، ولكن لماذا أجعل المشكلة بيني وبينك هي قضية شيخ الإسلام؟ شيخ الإسلام إمام فحل، وقد اعترف بفضله العدو قبل الصديق، لكن دعني من هذه المسالة، أنا أناقشك في أصل قضية المعتقد.

2- الدعوة الوهابية: خذ مثالاً آخر: قضية الدعوة الوهابية.

فقد أفلح الاستعمار في إعطاء صورة قاتمة عن الدعوة الوهابية في العالم الإسلامي في كل مكان، وأنها مذهب خامس وأنها وأنها حتى أني قرأت في كتاب لأحد علماء إحدى البلاد يقول: إن محمد بن عبد الوهاب ادعى النبوة والعياذ بالله أو قال: إنه أراد أن يدعي النبوة، ولكنه لم يتجرأ على ذلك، فبدأ يوري ويلبس على الناس!!.

لا نحتاج لأن نرد على هذا الهراء، لكننا نحتاج أن نقول لهذا الإنسان: اقرأ كتاب التوحيد، والمسألة ليست مسألة مهاترات، الحق أبلج والباطل لجلج، ما فيها دعوى نبوة أو دعوى ولاية أو دعوى اجتهاد، فيها أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، يقول: باب (يذكر الترجمة) ثم يقول: قال الله تعالى يذكر آية، ثم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر حديثاً رواه البخاري، فيه مسائل، والحمد لله وعلى هذا المنوال، ما جاء بشيء من عنده، إنما أتى بشيء من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك صار مجدداً في عصره، وصار له تأثيراً في حياة المسلمين في هذه البلاد خاصة وفي بلاد أخرى تأثيراً كبيراً.

فالمقصود أن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما دعا إلى نفسه، ولا دعا إلى مذهب، وإنما دعا إلى الكتاب والسنة.

إذاً: فالقضية والخصومة بيني وبين أي إنسان في الدنيا، ليست الخصومة في قضية أنت وهابي أو لست بوهابي.

في إحدى المرات لقينا رجلاً من الشباب المتدين في مظهره -أحسبه كذلك والله حسيبه- في بلد إسلامي، فحادثناه وسألناه، ومن ضمن ما سألناه قلنا له: هل أنت تنتسب إلى شيء من الطرق الصوفية؟ فقال: نعم، أنا أنتسب إلى الطريقة النقشبندية.

فتحدثنا معه في قضية الطريقة وأنه ما حاجتك إلى الطريقة النقشبندية؟ قال: إن الشيخ يوصل إلى علم الرسول صلى الله عليه وسلم، فاقترحنا عليه أنه لماذا لا يختصر الشيخ النقشبندي، ويرجع مباشرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون أفضل له بدلاً من تطويل السلسلة والسند، ويذهب إلى المصدر والنبع مباشرة بدون واسطة، هل يعتقد أن هذا فيه مانع؟ ففاجأنا بسؤال قال: أنتم من أي طريقة؟ قلنا: نحن من الطريقة المحمدية، من طريقة محمد صلى الله عليه وسلم.

قال: لا، أنتم من الطريقة الوهابية.

إذاً ليست القضية بيني وبينك، نحن وهابية أو لسنا بوهابية، نحن لا نسمي أنفسنا بهذا الاسم، وإذا أنت عيرتنا بها فنحن نقول كما قال الشاعر: وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها لكننا نقول: حين تقوم بالدعوة إلى الله، وبالدعوة إلى الدين الصحيح في أي بلد ليس شرطاً أن ترفع راية الوهابية، ارفع راية الكتاب والسنة، وليس شرطاً أن أبدأ بتصحيح مفهوم الناس عن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، هذا يأتي تبعاً ويأتي بعد، إذا عرف التوحيد الصحيح افترض أنه مات وهو لا يزال سيئ الظن بالشيخ محمد بن عبد الوهاب، بحسب الكلام الباطل الذي وصل إليه، هنا إذا كان توحيده صحيحاً، وإذا كان عرف التوحيد الصحيح فهو -إن شاء الله- ناجٍ، وإن أخطأ في هذه المسألة، لكن المصيبة لو مات وهو على عقيدة منحرفة أو على ضلال بحيث يخشى عليه من الهلاك، وقد يكون على عقيدة كفرية في بعض الأحيان، فهذه هي الخطورة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015