لا غرابة إذا فسدت العقيدة أو ضاعت أو انحرفت أن ينتشر بين المسلمين شرك الطاعة، أو كما يسمي بعض المعاصرين: الشرك السياسي، الذي يعطي حق التشريع لغير الله سبحانه وتعالى، ويمنح بشراً من البشر أن يحلل ويحرم، ويأمر وينهى، ويحق ويبطل، إلى غير ذلك من الأشياء التي استأثر الله سبحانه وتعالى واختص نفسه بها، فهي من خصائص الألوهية، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] وقال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31] وقال سبحانه: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الكهف:27] إلى قوله سبحانه: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] وفي قراءة: {ولا تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40] .
فالله تعالى هو الحكم، وهو الحاكم، وهو الحكيم والحكم إليه، هو الذي يحلل ويحرم، فكلمة: هذا حرام وهذا حلال، وهذا مستحب وهذا مكروه، وهذا جائز وهذا غير جائز، وهذا حق وهذا باطل، وهذا خطأ وهذا صواب هذا كله لله سبحانه وتعالى، وليس من حق أي إنسان حاكماً كان، أو قانونياً، أو سياسياً، أو أستاذاً جامعياً، أو كبيراً أو صغيراً، أو خبيراً أن يدَّعي أنه يملك أن يتصرف في مسألة واحدة من ذلك، ولو ادعى؛ لكان معنى ذلك أنه ادعى مشاركة الله سبحانه وتعالى في ألوهيته.
قال الإمام الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: "فمن حكم بغير ما أنزل الله من الشرائع الإلهية المنسوخة كاليهودية وغيرها فقد كفر، فكيف بمن حكم بغير ذلك مما صنعه البشر؟ لا شك أن هذا كافر بإجماع المسلمين".