إذاًً: هذه القضية معروفة عند الإنسان في أموره الدينية والدنيوية والمدنية، وسائر أموره على حد سواء، ولا يعني تقسيم هذه الأشياء، إلى أن هناك أشياء مهمة وأشياء أهم منها، وأشياء كلية وأشياء جزئية، وأشياء أصلية وأشياء فرعية أن نقول لك: إن تفرط في الأشياء الفرعية!! أرجوك يا أخي لا تفهم مني هذا، وإياك إياك أن تحمل كلامي ما لم أقل، فإن الله تعالى يحب العدل، وأنت تفهم الكلام على ما قيل دون أن تشتط بالكلام إلى كلام لم يقل، دعني ولا تحكم على ما في قلبي، ولكن احكم على الذي تسمعه مني.
نحن نقول: هناك أصول وفروع، هذه الأصول ينبغي أن تُعطى من العناية حقها وقدرها، وكذلك الفروع تعطى من العناية حقها وقدرها، لكن من المؤكد أنه ليس حق الأصول كالفروع، ولا حق الكليات كالجزئيات، ولا حق الضروريات كالمسائل التحسينية أو التكميلية أو الحاجية.
نحن نتفق جميعاً لو أن إنساناً كان يهتم بعلاج شيء في إصبعه، أو علاج ظفر له، وهو يعاني من مرض مزمن في قلبه، أو يعاني من جلطة في المخ -مثلاً- أو أنه يهتم بعلاج زكام، على حين أن عنده مشكلة قد تؤدي به إلى الوفاة!! إننا نعتبر هذا نوعاً مما يخالف العقل والحكمة، فليس من العقل والحكمة أن تهتم بهذه القضية الجزئية وتهمل الأصل، ليس العقل والحكمة فقط، بل حتى يخالف الشرع، فالشرع لا يأذن للإنسان أن يشتغل بعلاج قضية جزئية في جسمه، بما يترتب عليه فوات الأصل، وإذا كان ولابد فالمحافظة على الأصل أولى، وإذا كان من الممكن أن تجمع بينهما فهذا أمر جيد.
لو أن إنساناً اهتم بتسمية المدن أو ترقيم شوارعها، أو تنظيفها أو وضع الحدائق؛ ولكنه غفل عن توفير الحاجات الضرورية، لم يكن هذا الأمر محموداً بحال من الأحوال، فلابد من تأمين ضرورات الدين والدنيا قبل أي شيء آخر.
إذاً هناك ضرورات وهناك كماليات وهناك تحسينات، وهي درجات بعضها فوق بعض.
نحن لا ندعو إلى إهمال شيء منها، لكننا ندعو إلى أمرين: الأول: العناية بالجميع؛ لأنه من الدين، فالأصل من الدين، والفرع من الدين، والكل من الدين، والجزء من الدين، نحن ندعو إلى الاهتمام بالجميع لأنه من الدين.
ولكننا ندعو ثانياً: إلى أن يعطى كل شيء ما يستحقه فلا يوضع الأصل مكان الفرع، ولا يوضع الفرع مكان الأصل.