إذاً: في المسائل العملية فروع وأصول وكذلك في المسائل العلمية الاعتقادية كليات وجزئيات، أو فروع وأصول، فمثلاً: أركان الإيمان الستة، التي يقرؤها صغار الطلاب في المدارس، أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هذه أصول وكليات وقضايا عامة لا شك فيها، فإنكارها كفر، والحديث عنها من أَوْلى الأولويات وأهم الضروريات، ولكنك تجد في مقابل ذلك في مسائل الأمور العلمية والاعتقادية جزئيات، من المؤكد أن العبد لا يُسأل عنها في قبره، وليست من شروط دخول الجنة.
فمثلاً
Q هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء أم لم يره؟ مثل آخر: قضية النزاع في معاني بعض الآيات القرآنية، أو بعض الأحاديث النبوية، بل حتى النزاع في ثبوت بعض الأحاديث أو عدم ثبوتها.
كذلك قضية الكلام وما يتكلم به أهل المنطق فيما يسمونه بالجوهر والعرض، أو بقاء الأعراض، وكذلك قضية فناء النار: هل تفنى النار أو لا تفنى؟ هذه من القضايا التي ليست من القضايا الكلية، التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم ببيانها بياناً واضحاً لا إشكال فيه، بحيث أن يكون المخالف فيها كافراً أو فاسقاً أو مبتدعاً، بل هي من القضايا التي يمكن أن تعتبر من أمور الفروع والجزئيات في المسائل العلمية.
وليست هذه كتلك، فالمؤكد -أيضاً- أن العبد لن يُسأل في القبر: هل تؤمن بفناء النار أم لا تؤمن به؟ وليس هذا من شروط دخول الجنة -مثلاً- أن يقول هذا أو ذاك.
ولكنه ينبغي للعبد أن يؤمن بأركان الإيمان الستة والتي منها الإيمان باليوم الآخر وما فيه، مثل الإيمان بالجنة وبالنار، وليس مجرد الإيمان اللفظي، وإنما الإيمان الذي يتحول إلى عقيدة في القلب، ويتحول إلى سلوك وعمل، ويتحول إلى تحريض للمؤمن على مواجهة متاعب الطريق، والصبر في سبيل الله والجهاد، وإيثار ما يبقى على ما يفنى، وإيثار الآخرة على الأولى.
فهذه أمور كلية في باب الاعتقاد، وتلك أمور جزئية والأمر في ذلك -إن شاء الله تعالى- واضح لا إشكال فيه.