نشر المعرفة بالعلم الشرعي

المثال الثاني يتعلق بالعلم الشرعي: أنت تعرف أن المهمة التي تنتظر المسلم ليست مجرد أن يتعاطف مع قضايا المسلمين، أو يدري ماذا أصاب المسلمين هنا أو هناك هذا جانب، ولكن هناك جانب آخر وهو جانب العلم الشرعي، فالمسلم مطالب بأن يعرف دين الله عز وجل الذي ينتسب إليه، فلا يكون انتسابه إليه مجرد ميراث، أو تراث، أو اسم بلا مسمى، بل ينبغي أن يكون له من هذا الاسم نصيب.

وأنت تجد أن هناك من أفلح ونجح في تسهيل العلم الشرعي بحيث يصبح في متناول الجميع، فهذا كتاب مبسط وسهل، في صفحات، يشرح قضية علمية يحتاجها جمهور الناس، رسالة درس، أعداد غفيرة من الناس تتمكن من المشاركة في معرفة شيء عن الدين على كافة المستويات، بل لو ذهبت إلى أمر آخر، خطبة الجمعة مثلاً عدد الذي يحضرون هذه الخطبة لا يحصيهم إلا الله عز وجل، ولا يكاد إنسان ينتسب إلى الإسلام إلا ويحضر خطبة الجمعة، إما باستمرار أو على الأقل بين الفينة والأخرى.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم: {من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه} خطبة الجمعة إذا أمكن أن تعرض من خلالها القضايا التي تخاطب المسلم العادي، تبصره بأمور دينه، تسهل له معرفة الأحكام الشرعية، ليس من المصلحة أن يوجد العلم بطريقة -كما يعبرون في لغة العصر الحاضر- طريقة أكاديمية، لا يصل إليها إلا المختصون، وأسلوب علمي متين لا يستطيع أن يفك رموزه إلا كبار الطلبة، أو كتب قديمة فيها متانة، وفيها قوة، وفيها حجة، وفيها استدلال، لكن لم يعد المسلم العادي البسيط يستطيع أن يفهمه، فمن المصلحة أن يسهل له العلم، ويوصل إليه من أقرب طريق.

الشريط مثلاً وسيلة ناجحة جداً، وأفلحت في جعل العلم الشرعي، بل جعل كثير من الأمور التي تتناول، سواءً العلوم الشرعية، أو أوضاع المسلمين وأحوالهم، أو المفاهيم التي ينبغي أن تصحح، أفلحت في أن توصلها إلى عقول وقلوب الكثير من الناس.

البرامج الإعلامية: سواء كانت فتاوى، أم دروساً، أم لقاءات، أم غير ذلك، هذه أيضاً أوصلت العلم الشرعي إلى طبقات عريضة من الناس قد يكون الواحد منهم في الصحراء، في البادية، أو في بلد ناءٍ، أو قد يكون غير قارئ أصلاً ولا كاتب، أو قد يكون غير مهتم، ولكنه سمع الكثير وفهم الكثير من خلال هذه الوسائل والبرامج.

وبناءً عليه أصبحت تجد أن رجل الشارع يفهم الكثير، ويقول على أقل تقدير: سمعت الشيخ الفلاني يفتي بكذا، وسمعت الشيخ الفلاني يقول كذا، وسمعت الخطيب الفلاني يقول كذا، والشريط الفلاني جيد وفيه كيت وكيت، وهناك كتاب مهم يتحدث عن الموضوع الفلاني.

هنا نستطيع أن نقول: إن العلم أصبح هماً للجميع، يخاطبون به، ويحدثون عنه، ويجرون إليه، لكنك تجد مثلاً أن هناك أماكن أخرى لا يزال العلم الشرعي فيها محصوراً ومقصوراً على فئة معينة، في دوائر مغلقة، أو كما يسمى في أكاديميات، وفي جامعات، من الممكن أن يحصل على العلم طالب جاء إلى المسجد، لكن لو حسبت عدد الطلاب الذين وصلوا إلى المسجد، لوجدت أنهم عشرة أو خمسة أو عشرين أو قل مائة، ولكنهم بالقياس إلى عدد أفراد الأمة يعدون أقل من القليل.

فهل من المعقول أن نقصر العلم على هذه الفئة المحصورة، التي جاءت للدرس أو للجامعة، ونحجب العلم عن أعداد غفيرة من الطلبة أو من كبار السن أو الصغار، بحجة أن العلم هنا، ومن أحبه أتاه ووجده! لا، بل ينبغي أن نفكر جيداً في كل وسيلة نستطيع من خلالها أن نوصل العلم لكل إنسان، لكل مسلم، وعلى الأقل نوصل العلم الضروري الذي لا بد من معرفته.

وعلى كل حال فنحن نعلم أنه ليس هناك أحد يهمه أن يبقى العلم حكراً على فئة معينة، حتى العالم يفرح أن توجد بضاعته عند كل أحد، لأنه لا يستفيد من علمه دنياً أو جاهاً، حتى يقول: ماذا يبقى دوري إذا تعلم الناس، بل كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله: والله لوددت أن هذا الخلق تعلموا هذا العلم، وأنه لم ينسب إلي منه حرفٌ واحد، فكان همه أن يعلم الناس هم الدين، أما كون العلم ينسب إلى فلان أو علان، أو يحتاج فيه إلى هذا، أو يستفتى فيه ذاك، فهذا أمر ليس مهماً، المهم هو أن يوصل العلم إلى الخلق.

إذاً: سينجح العلم حينما نفلح في إيصاله أو في إيصال الضروري منه إلى أفراد الناس وآحادهم، وأن نخاطبهم به من خلال المنابر والوسائل الممكنة التي قد يتعاطونها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015