وأوصيك بوصايا تسع فاحفظها عني: الأولى: الصبر وعدم الانجرار إلى استفزازات الذين لا يوقنون، فليس هناك أكثر حمقاً ممن يضيع الفرصة بعد ما سنحت، إلا ذلك الذي يستعجل الفرصة قبل أوانها، وهو خلاف الصبر، والله تعالى يقول: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم:60] .
كثيرون يقولون: دَعَونا فلم يستجب الناس لنا، ولم يقبلوا دعوتنا، ادع وادع وادع، فإنهم إن لم يستجيبوا اليوم قد يستجيبون لك غداً.
ثانياً: فكر جيداً كيف تحول المشاعر والعواطف والانفعالات والأحزان إلى برامج عملية: علم، أو عمل أو دعوة أو جهاد، أو تجارة، أو أي عمل تخدم من خلاله دينك وأمتك.
ثالثاً: الدعوة إلى المزيد من العلم الشرعي، سواء في المدارس الشرعية، أو في المساجد وحلق العلم، ولا بد من أن يتعود الإنسان على أن يثني ركبتيه للدراسة: دراسة القرآن والسنة، فإن ذلك أمرٌ لا بد منه، وبه تميزت الأمة وأصبحت أمة إسلامية.
رابعاً: الاستمرار في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بكلمة الحق في كل مكان، وهذا لا يفتقر إلى إذن آذن، ولا يحتاج إلى قرار بعدما أمرك الله تعالى بذلك، فينبغي أن يبذل الإنسان وسعه في هذا، في كل مكان يحل فيه.
خامساً: نشر الكلمة الصادقة مسموعة كانت أو مقروءة وبكل وسيلة.
سادساً: توسيع دائرة الاهتمام بالعالم الإسلامي بأكمله، لا تكن أسير بلدٍ بعينه، ولا منطقةٍ بذاتها ولا قطرٍ؛ بل اجعل همك هم المسلمين في كل مكان، وإذا لم تنجح أو لم تفلح في الدعوة إلى الله تعالى في بلد، فهناك بلدان أخرى تنتظرك، وسوف تكون فيها أنت الداعية الذي يرجع إليه، ويحتاج إليه.
سابعاً: المشاركة في القنوات المتاحة التي تخدم المجتمع في الجامعات، والمدارس، والمؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية وغيرها، لتكون واحداً من الجنود المجهولين الذين يبذلون في سبيل الله تعالى ما يستطيعون، بل حتى لو كنت جندياً ينظر الناس إليك شزراً، حتى لو كنت وراء مكتب في بريد، أو كنت تلبس بزة عسكري، أو كنت أي شيء آخر، سواء كنت في منصب رفيع، أم وضيع في نظر الناس، فالمهم أن تحمل قلب داعية وهم داعية وتطلُّع داعية، وأن تبذل للإسلام من خلال موقعك الذي بوأك الله تعالى، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] .
إن الجنود المجهولين بحمد الله تعالى كثير، ولا يهمنا أن نعرفهم، فإن الله تعالى يعلمهم ويثيبهم، ووالله إنا لندعو الله تعالى لهم أياً كانوا وأينما كانوا، لأنهم يدافعون عن الإسلام ولو لم يعرفوا، ويعملون على إصلاح الأحوال بقدر ما يستطيعون، وربما يستطيعون مالا يستطيعه غيرهم.
ثامناً: الالتفاف حول العلماء والمشايخ المخلصين الصادقين المجربين، ودعوتهم إلى اتخاذ المواقف الصادقة التي ينصرون الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم، تلك المواقف المنتظرة منهم ومن أمثالهم.
تاسعاً: الدروس الخاصة في البيوت وغيرها، والمحدودة في تلك المنازل فإنها ذات تأثيرٍ كبير في تعميق التربية وتأصيل العلم وهي ذات أثر بالغ في حفظ الأمة ودينها.
نعم لقد زال الاتحاد السوفيتي بعد سبعين سنة من الحصار على الإسلام، فما أن زال حتى تبين أن تلك الحجرات كانت تشهد حلقات العلم والتعليم وقراءة القرآن ومدارسته، وعادت دولة كطاجكستان التي ظلت سبعين سنة تحت تسلط الشيوعية؛ عادت خلال أقل من سنة دولةً تطالب بتحكيم الشريعة، ويخرج فيها أكثر من ثلاثمائة ألف إنسان في الساحة العامة، ويظلون شهرين كاملين تحت أشعة الشمس يطالبون بحكم الشريعة.