إن الدعوة ليست كلمة فحسب، وإن كانت الكلمات من وسائلها، وأدواتها، نعم لقد نصر الله الإسلام بالكلمة الطيبة، ولكن كم هي الكلمات التي قالها خالد بن الوليد؟ وكم هي الأحاديث التي رواها؟ إنها قليل، ولكن خالداً كان يعبر عن نصرة الدين بالسيف والسهم والقوس.
وكم هي الكلمات المأثورة التي رواها أبو بكر الصديق؟ وراجع وفتش مسند أبي بكر الصديق، وقارنه بمسند أي صحابي آخر، ستجده في الغالب أقل، إنما يظل أبو بكر رضي الله عنه هو الرجل الثاني في قائمة الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
وبالمقابل هذا أبو هريرة رمز للكلمة الطيبة يروي ما يزيد على خمسة آلاف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبثوثةٌ في دواوين الإسلام، ويظل يحدث بها حتى تأتيه السهام بعد السهام، ويتكلم فيه المتكلمون، ويتقول عليه المتقولون، ويقولون: أكثر أبو هريرة، فيقول هو رضي الله عنه: [[إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، والله الموعد، إني رجل كنت أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، أما الناس فقد ألهاهم عن ذلك الصفق في الأسواق]] .
ويروي أبو هريرة رضي الله عنه في ضمن ما يروي أحاديث عن الصادق المصدوق عن الفتن التي تمر بهذه الأمة، وعن ولاة السوء التي ستبتلى بهم، فيتكلم عليه المتقولون، ويقولون: يا أبا هريرة! تثير الفتنة؟ فيظل أبو هريرة مصراً على أن يقول ذلك؛ لأن ذلك من جملة تبليغ الدين الذي لا يجوز أن يتأثر بالضغوط والأحداث والمجريات، وإن كان يستر بعض الأمور التي لا يتعلق بأمرها بلاغ، ولهذا يقول: [[حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر لو بثثته لقطع هذا الحلقوم]] .
إن نصرة الإسلام ليست محصورة بالكلمة، بل هي تتطلب جيوشاً من المختصين في كل ميدان من ميادين الحياة، فالإسلام جاء ليهيمن على الحياة كلها، وليس فقط ليتحدث من منبر.
إن من المؤسف -أيها الأحبة- أن يذهب أهل العلمانية أو النصرانية أو دعاة التغريب أو دعاة التهويد بأزمة الاقتصاد، ويسيطروا على بيوت المال، أو أن يهيمنوا على وسائل الإعلام، أو أن يسيطروا على قنوات التعليم ومناهجه، أو أن يديروا دفة السياسة، ويذهب أهل الإسلام بكلمة النقد فحسب لا يملكون غيرها، بل وحتى هذه الكلمة التي يقولونها لينصحوا بها هذا؛ ممن يقبل النصيحة، أو يفضح بها ذاك ممن عرف عنهم العداء للإسلام؛ حتى هذه الكلمة أصبحت تستكثر عليهم ويطلب منهم ألا يقولوها.
أفلا يحق لك أن تعجب ممن يمكنون للفساد كل الفساد في بلادٍ عزيزةٍ من بلاد الإسلام جاءها نصر الله، وفتحها جند الله عز وجل، وحكمها دين الله تعالى، ويعزز مواقع الفساد فيها، ثم ينتقد من يجترئ على مجرد وصف هذا الواقع، أو من يزيح عنه الستار؟!