إن الكلمة إذا كانت ربانية فهي باقية كما قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:24-25] .
نعم إن أشجار الناس منها ما يثمر في الصيف، ومنها ما يثمر في الشتاء، ومنها ما يثمر مرةً في الصيف ومرةً في الشتاء، وأما كلمة الحق وشجرة الحق، فإنها تؤتي أكلها كل حين، فهي لا تتأثر بالظروف، ولا تتغير بتغير الأحوال، بل هي باقية قائمة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
إنها تتمرد على كل السدود والقيود، والحواجز والموانع، لينتفع منها كل إنسان ويقطف ثمرتها كل مخلص.
إنها عميقة الجذور، ومن العسير أن يتم اقتلاعها، فهي تتغلغل في التربة، بل تتغلغل في الصخور، وتحفر لنفسها مجرىً في أعماق القلوب، ولا يضرها أن يعرض عنها معرض، أو أن يحاربها عدو، أو أن يكيد لها كائد.
هذا هو الطفيل بن عمرو رضي الله عنه يأتي مكة فما يزالون به حتى يضع القطن في أذنيه لئلا يسمع كلمة الحق من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأبى الله عز وجل إلا أن يسمعه تلك الكلمة، فيلين لها قلبه، ويسلم لله رب العالمين، فماذا أجدت أعمال قريش ومحاولاتهم وحصارهم وجهودهم؟ لقد ذهبت أدراج الرياح، وتسللت تلك الكلمة على رغم القطن الذي حشا به أذنيه، وعلى رغم الأقوال والشبهات التي ملئوا بها عقله، وعلى رغم الأشياء والشهوات التي حاولوا أن يحشروها في قلبه.
إنَّ حملة هذه الكلمة كثير، وحداتها ليس لهم حصر، وهي ليس لها مكان، فهي تقال في المجلس كما تقال في الطائرة، كما تقال في السوق، كما تقال في البيت سواءً بسواء كما تقال في المسجد أو في المدرسة.
إنها ليست أمراً مخجلاً يستحي منه الإنسان، أو يواري أو يداري بل هي رسالة الله عز وجل يحملها المخلصون الخالصون من عباده.