القنوات المفتوحة

إن المجتمع الذي يتيح قنوات التعبير الصادق والتعبير المسئول هو مجتمع ناضج محفوظ بإذن الله عز وجل من الزعازع والانفجارات؛ لسبب واحد وهو: أنه يقيم شريعة الله عز وجل شريعة الحسبة، ومجرد التعبير أحياناً بأمر بمعروف أو نهي عن منكر يعطي انطباعاً بقوة هذا المجتمع وثقته بالأسس التي يقوم عليها، فليس ترك المجال للكلمة الهادئة الناقدة البصيرة ليس ذلك علامة ضعف، بل علامة الضعف هو الخوف من تلك الكلمة والقلق منها.

لماذا يخاف أولئك الذين أوجدوا ما يزيد على ثلاث أو أربع قنوات للفساد، وأخرجوا عشرات المجلات للفن، أو الرياضة، أو غيرها، لماذا يخافون من صوت واحد يتكلم باسم الدين أو باسم الإسلام؟! لماذا يتحدثون عن هؤلاء المتطرفين وهم يزجون بهم وراء الجدران وفي غياهب السجون؟! أفلا قدموهم للناس ليسمعوا منهم مباشرة ويعرف الناس الصوت الآخر إن كان حقاً أو باطلاً؟! إن البلاد المفتوحة أكثر أمناً واستقراراً من غيرها، ويوم كانت هذه الأمة تقيم شريعة الله عز وجل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة على سائر أفرادها ورجالها، الكبير منهم والصغير، أمنت -بإذن الله تعالى- من عقابه بأن يسلط بعضها على بعض.

1- حال الأمم الدنيوية: إن الأمم الدنيوية التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر اليوم بقدر تضييقها على شعوبها تكثر القلاقل فيها، وبقدر توسعتها عليهم تخف وطأتها، وينتشر ويستقر أمنها.

لعل الجميع لاحظوا أن القلاقل في أمريكا وبريطانيا وأسبانيا وربما فرنسا قد بدأت الآن تتزايد، والبارحة أعلن في عاصمة بريطانيا عن انفجار يشبه الانفجار الذي وقع في نيويورك.

وما هذه الزعازع إلا إرهاصات وبدايات تدل على أن هناك نوعاً من التضييق والحصار بدأت تلك الدول تمارسه، ليس فقط على شعوبها، بل بالدرجة الأولى على من تسميهم بالغرباء، أو بالأجانب، أو بالشعوب المستعمرة، أو بالشعوب المستضعفة، فبدأت تعدل قوانين الهجرة، وبدأت تعدل قوانين التجارة، وبدأت تحد من نطاق التملك، وبدأت تمنع حصول الإنسان على الجنسية أو على حق اللجوء في بلادهم، أو حتى على حق التعبير، ولهذا بدأ الناس يسلكون أسلوباً آخر في التعبير عن سخطهم ورفضهم.

2- حال البلاد الإسلامية: أما في البلاد الإسلامية فالنماذج كثيرة، بل أكثر البلاد الإسلامية تصلح نماذج، لكن لا مانع أن نعرج على مصر: لقد أعلن الحاكمون حرباً على الإسلام منذ خمسين سنة، وامتلأت السجون يوماً من الأيام بما يزيد على خمسين ألفاً من العلماء والدعاة والمخلصين والمنتسبين إلى الجماعات الإسلامية؛ سواء كانوا منتسبين إلى الإخوان المسلمون، أو إلى التبليغ، أو إلى أنصار السنة، أو إلى الجمعية الشرعية، أو حتى كانوا متدينين لا يعرفون هذه الانتسابات، وظن الظانون أنه لن يقوم للإسلام بمصر قائمة، وإذا بالحكام الذين أعلنوا الحرب على الإسلام يذهبون، تُشيعهم دعوات الناس عليهم وشماتتهم بهم، ويبقى الإسلام عزيزاً قوياً شامخاً منيعاً.

نعم إن الذين يسمعون الأخبار اليوم يظنون أن الإسلام في مصر يحتضر، والواقع أن الإسلام في مصر قوي عزيز، وأن ذلك الشعب المسلم قد اختار الإسلام حقاً، ورضي أن يبذل من عرقه، وجهده، وصبره، ودمه، وأرواح أولاده وبناته في سبيل هذا الدين، ويصبر على ما يلقى في ذات الله عز وجل.

لكن ماذا كسب أولئك؟ لقد تزعزع أمنهم، واهتز اقتصادهم، وقلقت أحوالهم، وأصبحت الدول الأخرى تنظر إليهم بريبة، وتشعر بأنهم عاجزون عن ضبط الأمن، وليس ينفعهم أن يأتيهم دعم من هنا، أو تشجيع من هناك، أو تهنئة بالسلامة من محاولة اغتيال من هذا البلد أو ذاك، إن الأمر عميق ومزمن في جذورهم، وفي أعماق المجتمع، وليس تحله رصاصة أو طلقة طائشة.

إن الخسائر الاقتصادية تقدر بمليارات الدولارات، وإن الفنادق التي أقاموها لما هو معروف بالسياحة، إن تلك الفنادق قد تحولت اليوم إلى دور مغلقة ليس فيها داعٍ ولا مجيب، وقد انجفل عنها الناس وأعرضوا عنها، وهذه نتيجةٌ ماديةٌ مباشرةٌ فقط لمثل تلك الحرب على الله ورسوله.

أما النتائج الأخرى فهي أمر أعجب، ولعلكم سمعتم كنموذج آخر بالظاهرة الغريبة في أوساط الفتيات التي انتشرت في معظم المحافظات المصرية حالات إغماء مفاجِئة، تعرض لها آلاف من الفتيات في المدارس المتوسطة والثانوية، وتنادى الأطباء وتداعوا، وعملوا الفحوصات والإجراءات، وكل النتائج سليمة، ثم قاموا ونظروا في الجو هل يوجد فيه مواد غريبة، في التربة لم يجدوا شيئاً، وفي المياه لم يجدوا شيئاً فظل الأمر محيراً مجهولاً.

إن مثل هذه الأشياء هي رسائل يجب أن تفهم، إن الذي يحارب الله عز وجل لا طاقة له ولا قبل بمن يملك كل شيء، وله كل شيء، وأمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، وبيده مقاليد كل شيء.

أما في الجزائر فقد أعلنوا الحرب على تحكيم الشريعة الإسلامية، وحالوا بين الشعب المسلم وبين ما يشتهي من تطبيق شريعة الله تعالى، وأودعوا الشباب في المحتشدات والمعتقلات، وسجنوا ما يزيد على ثلاثين ألف في فترة مضت، وقتلوا منهم من قتلوا، فما الذي جرى؟ فبعد مضي ما يقارب السنتين، تنظر في الجزائر، فتجدها لم تشهد منذ استقلالها عن فرنسا قلاقل وزعازع وتهديداً للأمن مما تشهده الآن، ولا أكثر انهياراً للاقتصاد مما تشهده الآن، ولا أكثر جهلاً بالمصير الذي تكون إليه مما هي عليه الآن.

ماذا نفعتها عساكرها التي واجهت الإسلام بالمدفعية والدبابة والبندقية، وضربت الناس في الشوارع؟ ولكن الإسلام كان أبقى؛ لأنهم لا يستطيعون أن يحاربوا شعباً بأكمله يريد الإسلام، لكن ماذا عليهم لو خلوا بين هذا الشعب وبين الإسلام؟! ماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله؟! ماذا عليهم لو خلوا بينهم وبينه؟! فإن انتصر الإسلام وعز وحكم، فذلك عزٌ لهم جميعاً، وإن كانت الأخرى فقد كفوا بغيرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015