نحن مستهدفون

إن المسلمين بكل ألوانهم وعلى كافة مستوياتهم حتى أولئك المفرطين والمقصرين والكسالى والتائهين والبعيدين عن دينهم، إنهم مستهدفون لهويتهم الإسلامية وانتسابهم وموروثهم الشرعي بالدرجة الأولى، ثم هم مستهدفون بعد ذلك لخيراتهم وثرواتهم التي أراد الله عز وجل بحكمته أن تزخر بها بلادهم، ولذلك فالعدو يستفيد قطعاً من تفجير المعارك داخل بلاد الإسلام.

1- الأعداء وتنفيذ الأهداف: وعلى سبيل المثال فاليهود يستفيدون أعظم الفائدة من الصراع الدائر في مصر بين الشباب المتدين وبين أجهزة الأمن.

إن مصر دولة كبيرة فيها ما يزيد على خمسين مليون إنسان، وهي يمكن أن تكون قلعةً من قلاع الإسلام وحاميةً لدين الله عز وجل وشريعته، وقد كانت متقدمة حتى في مستواها الاقتصادي قبل سنوات ليست بالبعيدة.

والشباب المتدين في مصر وفي غير مصر هو الذي أذاق إسرائيل الضربات الموجعة خلال معاركه في قناة السويس وفي غيرها، وهي معارك شهيرة دونت في الكتب، وذكرت في الصحف في وقتها.

ولذلك فإن من مصلحة اليهود قطعاً أن يضربوا هذا بذاك، وأن يعملوا على تدمير هذه القلعة والقضاء عليها وعلى تدمير الشباب المؤمن هناك وإلصاق شتى التهم به.

إنه يشاع أن تفجير ميدان التحرير عمل من أعمال الموساد ومن أعمال المخابرات اليهودية، تماماً كما يشاع أن المبنى التجاري الذي فجر في نيويورك كان من عمل الموساد، وهناك شخص اسمه هداس، جرى له ذكر وتحدث عنه الإعلام فترة، وهو شخصية غامضة أسدل عليها الستار بعد ذلك، وتدور أقاويل كثيرة على أن له علاقة بالموساد (المخابرات الإسرائيلية) الموجودة هناك.

2- ضرب الأمة بقادتها: إن ضياع مقدرات البلاد الإسلامية في صراع مكشوف أو مستور بين الشباب المتدين وبين الأجهزة المختلفة أمنية كانت أو عسكرية أو إعلامية أو غير ذلك هو إهدار لطاقات الأمة وممتلكاتها، وليس شرطاً أن يكون الصراع حرباً في الشوارع، بل هذه لا تعدو أن تكون صورةً فحسب، وهناك ألوان من الصراعات الخفية المستترة آلتها ووسيلتها القلم، والورقة، والكتابة، والتقرير، والقرار، ومن خلال ذلك يتم الشيء الكثير.

لقد نجح الأعداء في تصوير الدعوة الإسلامية على أنها الخطر الأكبر الدائم الداهم، وأقول متى كان الدين خطراً على الأمة، وعلى أهله ودعاته وحماته؟! نعم ذلك المتدين المكسور الجناح المقهور المضطهد المضيق عليه الممنوع حتى من عبادة ربه، قد تكون أنت فرضت عليه بالقوة نوعاً مما تسميه بالتطرف.

أنت فعلت هذا بأسلوبك في التعامل معه، وكما قيل: إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها إن الإنسان كلٌ لا يتجزأ؛ فاعطه فرصةً طبيعية، ودعه يعبد ربه، ويدعو إلى ربه، ويقول كلمة الحق، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالحكمة وبالموعظة الحسنة، دعه وحينئذ سوف بتكلم بصورة صحيحة، ويفكر بصورة صحيحة، ويتعامل بمنطق لا إشكال فيه، أما إذا حاصرته وضغطت عليه، فستجد آثار هذا الضغط تصديقاً لبعض الشائعات، ولو لم يتثبت منها، وتفكيراً بطريقة غير سوية وتحليلاً للأحداث لا يخدمه ولا يخدمك.

إننا نجد تلك الدول تقدم كل يوم وجبة جديدة من فلذات أكبادها وشبابها، حتى في سن المرحلة المتوسطة إلى أعواد المشانق، فمتى كانت مهمة الدولة القوية إعدام مواطنيها وتقديم المجموعة منهم بعد الأخرى للقتل من الشباب المتدين الغض الطموح؟! 3- اعتبروا يا أولي الأبصار: أيها الفرعون! هل تريد أن تكرر خطيئة سلفك الأول، حينما جاءه موسى عليه الصلاة والسلام، فدعاه إلى الله عز وجل، فأصر وكفر بالله تعالى، وقال قولته الفاجرة الكافرة: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] فناداه موسى وقال له: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ} [الشعراء:17] خل بيننا وبينهم، دعهم لنا، ألست أنت أيها الفرعون متضايقاً من بني إسرائيل خائفاً منهم؟! قد أخبرك السحرة أن زوال ملكك على أيديهم، إذاً دعهم لنا، أرسل معنا بني إسرائيل، ولكن هذا الفرعون لم يرض بذلك، بل اغتاظ وقال: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:54-56] وقام بذلك العمل الجبان الذي يدل على أنه لا يشعر بهموم قومه، وأنه ليس مخلصاً لرعيته قط.

أي معنى أن ينزل فرعون الجيش إلى الشوارع؟! أمن أجل أن يقاتل أعداءه؟ كلا! إنما من أجل أن يقاتل الشعب بعضه بعضاً، ومن أجل أن يقوم بسحق المؤمنين مع موسى عليه الصلاة والسلام، لقد جر الجيش إلى معركة خاسرة، وجر وراءه أجهزة أمنه إلى معركة مشابهة، ولهذا قال: (وإنا لجميع حاذرون) أننا على حذر شديد وأجهزتنا مسلطة على هؤلاء، فماذا كانت النتيجة؟ لقد حارب الدين فكان ذلك زواله، وكانت المعركة الفاصلة هي نزوله في الميدان في مواجهة المؤمنين، فأنجى الله تعالى موسى ومن معه أجمعين وأغرق بعد الباقين.

وهذه قريش والعرب حاربت رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاهم إلى الله تعالى فما استجابوا له فقال: {يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا لو خلوا بيني وبين سائر العرب؟} لكنهم لم يرضوا بذلك، بل كانوا يلاحقون أصحابه حتى وهم يذهبون إلى الحبشة وإلى غيرها في محاولة لإحكام الحصار المفروض على الإسلام.

طلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فما استجابوا، بل أصروا على الحرب، وكانت النتيجة أن مكَّن الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ورأوه بأعينهم وهو يدخل مكة فاتحاً يقول: {يا معشر قريش: ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟} 4- الشباب أبقى والحرية أولى: الشباب الغض العفيف المؤمن الصابر الصادق هو وقود الحرب ضد الأعداء، وهو صاحب الخبرة التي تنفع في كل مجال من مجالات الحياة، به يستنزل المطر من السماء، وبه تستدفع العقوبات التي يخشى أن تحل بالمسلمين ليلاً أو نهاراً، فلماذا لا تعط هؤلاء الشباب فرصة للمناقشة وفرصة للحديث؟! كما عبرت عن رأيك وتحدثت في أجهزة الإعلام، وقلت كل ما تريد، دعهم يتحدثون ولو عن بعض ما يريدون، وناقشهم واعطهم فرصةً ولو جزئية، ولا مانع أن تعمل لهم محاكمة علنية، لكن لا يجوز أبداً أن يكون الذين يتولون محاكمتهم قومٌ يخضعون لأمرك، ويتأثرون بضغوطك، ويستجيبون لك ويتأثرون بما تقول، فأنت حينئذٍ لست عادلاً بل: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم ادع العلماء -وبلاد الإسلام بحمد الله غنية بالعلماء الصادقين بكل مكان- ادع العلماء من الجزيرة العربية، أو من بلاد الهند، أو من بلاد الشام، أو من أي بلد إسلامي آخر من أهل العلم والإيمان والفقه والسنة؛ ليتم معرفة الحق واتباعه، وليعرف ما إذا كان هؤلاء الشباب على صواب أم على خطأ، أما أن تجعلهم وقوداً للحرب، وتسلط عليهم أجهزة الأمن، وتقتلهم وتحرمهم من حق التعبير والكلام، فلا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً، ثم إذا أصدر الواحد منهم ورقةً أو ألف كتاباً أو أصدر مجلة، أصبحت ترميه بأنه يوزع المنشورات، ويكتب الأقاويل، ويتحدث، وأنت ماذا كنت تفعل؟!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015