سابعاً: لا عز إلا بالإسلام

لقد كانت هذه الأمة في الجاهلية تركض وراء اليرابيع في صحرائها المترامية الأطراف، ليس لها شأن في دنيا ولا هَمٌّ في دين، ولما جاء الإسلام توحدت به ونادت إليه، وبذلت في سبيله كل غالٍ ونفيس، ثم شاد هؤلاء الرعاة مملكة ما شادها قيصر ولا كسرى ولا شاه ولا أنوشروان.

هذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يعبر عن هذا المعنى: [[لقد رأيتني خامس خمسة مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مالنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت منه أشداقنا، وما أصبح اليوم منا رجل إلا وقد أصبح أميراً على مصر من الأمصار، وإني والله أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله حقيراً]] .

لقد كان سعد رضي الله عنه ومن معه من المؤمنين بهذه الحالة، ثم أعزهم الله تعالى بالإسلام حتى صاروا إلى مثل أحسن حال.

والأمة العربية إذا تخلت عن دينها لم يبق لها إلا عروبتها، وماذا نحفظ من تاريخ العرب في الجاهلية إلا يوم ذي قار وحرب البسوس، والمعارك الدامية الطاحنة بين قبائل العرب من أجل أمر دنيوي سهل، وماذا نعرف من تاريخ الأمة العربية إلا أنها تركض وراء أذناب الإبل في ربيعة ومضر! إن تخلي هذه الأمة عن دينها يعني تخليها عن كل مميزاتها، ماذا استفاد العثمانيون الذين حكموا بالإسلام، وجاءوا باسم الشريعة إلى الأمة الإسلامية، وحكموا قروناً متطاولة ماذا استفادوا من التخلي عن الإسلام والتنازل عن شعاره وشريعته ولبس جلباب العلمانية؟! لم يستفيدوا إلا مزيداً من الهزائم المتتالية كانت نهايتها سقوط دولتهم.

1- زوال الدولة العثمانية: لقد كان العثمانيون يأتون بالأمس إلى سائر بلاد الإسلام باسم الدين، وترسل حكومتهم -أو يرسل الصدر العالي- ما يسمى بالقائم، أو الباشا، أما اليوم فهم لا يرسلون إلا الطباخين والحلاقين والعملة، أين هذا من ذاك؟ ذاك عز الإسلام وهذه ذلة العلمانية.

رأى أحد الدعاة رجلاً تركياً في بلاد الغرب، ورآه قد علق صورة كمال أتاتورك في متجره فقال له: لماذا تعلق صورة هذا الصنم الطاغية وأنت تعلم حاله وعداءه للإسلام؟ قال له: نعم أنا أعلم عداءه للإسلام، ولكنني أخشى من بطش السلطة، فإن السفارة لها رسل يأتوننا صباح مساء، يتفقدون وجود مثل هذه الصورة في محلاتنا ومتاجرنا.

إن هذا يذكرنا بتلك الكلمة التي قالها الصحابي الجليل عند فتح قبرص، حينما بكى وقال: [[بينما هم أمة قائمة ظاهرة إذ تركوا أمر الله عز وجل، فصاروا إلى ما ترى]] .

إن الذي يلفت النظر أن العثمانيين حاربوا الدعوة التجديدية، دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه في هذه البلاد.

نعم كانوا يحاربون باسم الإسلام، ولكن الاسم لا يكفي، وما لم يكن الإسلام حقيقة فإن مجرد الشعار لا يكفي، وكم من إنسان يقول بلسانه ما يكذبه بفعاله، حاربوا تلك الدعوة التجديدية، فذهبوا هم وبقيت الدعوة، فذهبوا لتخليهم عن الشريعة التي وجدوا من أجلها، فهم قاموا وحكموا العالم الإسلامي، لا لأنهم عثمانيون، ولا لأنهم من أولاد فلان، ولا لأنهم جاءوا من الدولة الفلانية، وإنما حكموا باسم الإسلام، فلما تخلوا عن الشريعة، وأعلنوا الحرب عليها وناصبوها العداء سقطوا هم وزالوا، فشرعيتهم زالت، وبقيت الدعوة التي حاربوها؛ لأنها تحمل عوامل القوة والبقاء والنماء، فهي دعوة إلى الله تعالى ودعوة إلى شريعته وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أفنحسب أن النواميس الإلهية والسنن قد تعطلت ولم تعد تفعل فعلها في عصر الذرة والصاروخ والكمبيوتر؟! كلا! إن الله تعالى واحدٌ لا إله إلا هو، وشريعته قائمة ماضية، ودينه باقٍ، والسنة لا تتغير، فهي تجري على الناس اليوم وغداً كما جرت عليهم أمس وقبل أمس.

2- سرّ الاستقرار هو الحكم بالإسلام: إن الشعوب الإسلامية لا يمكن أن تحكم أبداً إلا بالإسلام، والناس أصلاً ما خضعوا للحكم وما فيه من تقييد صلاحياتهم إلا طواعيةً للشريعة، أما الأمن فهو تابع لذلك، وأما شرعية الإنجاز كما يقال فهي أيضاً تابعةٌ لذلك.

فالأصل هو الحكم بالشريعة والشرعية العقائدية المنبثقة من الطاعة لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبع ذلك استقرار الأمن، ويتبع ذلك الإنجاز، ويتبع ذلك حفظ الاقتصاد، ويتبع ذلك حفظ الحوزة والبيضة، وهذه الأمور كلها تابعة، والشريعة هي الأصل.

وتغيير الشريعة لا يمكن ولا يكون إلا بمسخ الشعوب وتغيير هويتها من شعوب إسلامية تحب الإسلام وتحب الشريعة إلى شعوب لا دينية، وتغيير هذه القناعة هو أمر غير ممكن، لأنه يعني مسخ الإسلام في تلك البلاد، وهذا أمر متعذر، كم حاوله أقوام وأقوام وأحزاب وأمم ودول وأساطيل، ثم رجعوا بالخيبة والخسارة.

الذين يطالبون بتحكيم الشريعة والدعوة إلى الله تعالى هم يدعون إلى الأصل الثابت المستقر، كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18] والشيء الوحيد التي تأتلف عليه القلوب والنفوس هو دين الله عز وجل أما بغير ذلك فسنعود عرباً كما كنا قبل الإسلام يقتل بعضنا بعضا: فمن تكن الحضارة أعجبته فأي رجال باديةٍ ترانا نغير على القبائل من معدٍ بضبة إنه من مان حانا وأحياناً على بكرٍ أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا إنه ليس داعية فتنة الذي يدعو إلى إعادة عمل الشريعة وإلى تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو يدعو إلى الرجوع إلى الأصل الذي تنتظم به الأمور، وتأتلف به الأحوال، ويجتمع به المقال، ويزول به كل أثرٍ لخلاف بين فردٍ وآخر، سواء كان رفيعاً أم وضيعاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015