سادساً: الدهماء من الناس

يتحدث البعض عمن يسمونهم بالدهماء، ويعنون بهم جمهور المجتمع أو عامة المسلمين، ويظنون أن هؤلاء القوم جهلة غير متعلمين، أغبياء لا يفهمون، وهذا الاستخفاف هو في حقيقته استخفافٌ بالأمة الإسلامية وإهدار لطاقاتها، إذ أن الأمة في مجملها من هؤلاء، نعم فيها علماء وطلاب علم ودعاة، ولكن غالب الأمة هم من هؤلاء، ولدى معظم هؤلاء قدرة على الفهم، وقدرة على التفاعل مع الأحداث نعم يمكن أن تخدعهم، ولكنها خديعة مؤقته، وليست خديعة دائمة، بل هذه الخدعة التي تقدمها لهم عبر أجهزة الإعلام، أو عبر طريقة أو أخرى تنعكس، فيصبح كل ما تقدمه لهم مرفوضاً ولو كان حقاً؛ لأنهم جربوا عليك الكذب.

1- استعداد الأمة للمصارحة: إن لدى الأمة استعداداً للمصارحة والتفاهم والتفهم والمناقشة متى وثقت بمن يخاطبها، وقديماً كان فقهاء الإسلام يرفضون التقليد المطلق للأمة، ويطلبون منها على الأقل أن تجتهد في من تختار فتياه، وتقبل قوله، حتى في المسائل الدينية الشرعية، فكيف بغيره.

إنه لا يصح أبداً أن تعزل الأمة عن قضاياها، وتبعد عن مشاكلها، وتقصى عن همومها، ويحال بينها وبين الوعي الصحيح وإدراك الأمور على ما هي عليه بحجة أن الأمة لا تعي أو لا تعقل أو لا تدرك أو ليست على المستوى المطلوب أو أنهم دهماء أو أنهم عوام لا يفقهون.

وهذا مثال: الإعلام يصور الناس في مصر على أنهم مع الحملة الأمنية مؤيدون لها ضد الإرهاب كما يسمونه، ولكن الأخبار التي تأتي من هناك تؤكد أن الشعب المسلم في مصر يتعاطف مع المسلمين ومع الشباب المتدين، ويؤيدهم، ويقف بصفهم، ويحميهم، وينصرهم، ويتستر عليهم، ولا أدل على ذلك من عجز أجهزة الأمن من ملاحقتهم أو القضاء عليهم، فهم يجدون درعاً حصيناً في المتعاطفين معهم من عامة المسلمين الذين يدركون لماذا يحارب هؤلاء، ولماذا تسكت البنادق الموجهة إلى دولة اليهود وتوجه إلى صدور المؤمنين والشباب الذي يطمع أن يكونوا هم سر الإنقاذ في تلك البلاد.

وفي الجزائر يعلنون أيضاً عن تنظيم المظاهرات بعشرات الألوف لشجب الإرهاب وإدانته واستنكاره، ولكن الأحداث تؤكد أن هذه لا تعدو أن تكون تمثيليات محبوكة مضبوطة، وأن هؤلاء الذين يخرجون إنما يخرجون بأجور مرسومة مدفوعة إليهم سلفاً، وأن الشعب المسلم هناك قد أعلن عن كلمته منذ زمن بعيد، وأنه لا يريد إلا الإسلام، ولا يثق إلا بالمسلمين، ولا أدل على ذلك أيضاً من أن معظم الأعمال التي يقوم بها الإسلاميون هناك بغض النظر عن تحديدها أو تشخيصها أو الكلام عن تفصيلها، قلما يمكن التعرف على الذين يقومون بها.

إن مجرد ضجيج إعلامي لا يقنع الناس أبداً؛ لأنهم يعيشون الواقع ويشاهدونه، ويدركون أحياناً ما وراء الأحداث، ويخمنون ويتوقعون الدوافع وراء هذا العمل أو ذاك، وهذا التصرف أو ذاك، وهذا القرار أو ذاك.

2- إخلاص رجال الأمة: ومتى وجدت الأمة رجالها المخلصين -أي أمة كانت سواء كانت من الأمم الإسلامية أو من غيرها- شاركتهم في كل شيء ونزلت معهم في الخندق والميدان.

هذا زعيم من زعماء الكفر والضلال يذكره التاريخ تشرشل الذي تولى الوزارة في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، وعد الشعب البريطاني بماذا؟ لم يعده بالرفاهية، بل وعده بالدماء والدموع حتى ينتصروا على ألمانيا، أما إذا كنتم تريدون الهزيمة فابحثوا عن رجل سواي، لم يقل لهم: غداً سوف ننتصر، ولم يقل لهم: سوف أحول الدنيا إلى ورق بلا شوك، ولكنه أخبرهم بالحقيقة، وجعلهم يتفهمون ويعيشون كل ظروفها ومجرياتها.

إن الأمة الإسلامية أعظم استعداداً من كل أمم الأرض للفهم والوعي والمشاركة والمناقشة، وهذه الأمة على رغم الفقر وقلة ذات اليد، وعلى رغم الجهل وقلة المعرفة، وعلى رغم الحصار الإعلامي، إلا أنها مع ذلك من أقوى الأمم وعياً، وأكثر الأمم نضجاً، وأنت تجد هذه الأمة تحتفظ بفطرتها السليمة وأخلاقياتها، حتى يأتي الرجل الكافر، وقد يكون مثقفاً أو دكتوراً أو أستاذاً أو عالماً في أمور الدنيا، فإذا عاش في عوام المسلمين فترة، قاده ذلك إلى الإسلام، كما فعل محمد أسد وقد جاء إلى فلسطين أثناء الحرب العالمية، جاء صحفياً، فلما عاش بين المسلمين وجد كرم الأخلاق وسلامة الفطرة، وقاده ذلك إلى الإيمان بالله عز وجل ورسوله، وأمثاله كثير.

فهذه الأمة هي أسلم الأمم فطرةً، وأقربها إلى الحق، وأكثرها وعياً وإدراكاً على رغم التعتيم الذي يضرب حولها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015