الإسلام منتصر، حتى هذه الحرب الضروس التي تدار اليوم ضده هنا وهناك، هي إحدى الدلائل على انتصار الإسلام، فالناس لا يحتشدون إلا لحرب الأقوياء، ولعلها آخر السهام.
هو دين الله عز وجل وليس مرهوناً بشخص ولو كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد مات وبقي الإسلام قال الله عز وجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] .
دين الله عز وجل أكبر من الأفراد، وأعظم من الجماعات، وأوسع من المذاهب، وأعمق من الاتجاهات، وهو أبقى وأرسخ من الدول والأجناس، وكل من تخلى عن هذا الدين فلا يضر إلا نفسه، فكلما تخلى عنه قوم تلقفه آخرون كما وعد الذي لا يخلف الميعاد، قال تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] وقال: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] وقال: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [محمد:38] .
وقبل قليل ذكرت لكم أمر العثمانيين: لماذا جاء العثمانيون؟ ولماذا جاء المماليك؟ إنهم ما جاءوا من فراغ، لكن لما تخلت الأمة العربية عن دورها ومهمتها وتميزها بالإسلام، قيض الله له شعوباً وأجناساً أخرى تحمله وتعمل به وتدعو إليه.
1- انتصار الإسلام أمر مقطوع به: إن انتصار الإسلام أمرٌ مقطوع به لا مثنوية فيه، ولا يجوز أبداً أن تستهلكنا لحظة حاضرة أو فترة عابرة، بل اللحظة الحاضرة ذاتها تشهد كل ساعة بميلاد الانتصار الكبير لهذا الدين، قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171-173] .
إنه التحضير للمعركة الكبرى، المعركة الفاصلة، وإن طال أمدها، وإلا فلماذا يتجمع اليهود مثلاً في فلسطين؟ إنهم يتجمعون للمعركة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الصحيح، ولماذا نعرف اليوم أن هناك مأوى وحصناً للإسلام بأرض البلقان على مسافة خطوات من روما، التي هي الهدف الأخير للفتح الإسلامي القادم.
إنها الأوراق القديمة تبعث من جديد، لتظهر من خلالها الفرص التي سوف تبرز وتلمع للإسلام وجنود الإسلام القادمين بإذن الله على رغم أنف الكارهين.
إن النصر يولد في أعماق الظلام، والفرج يخرج من عمق المعاناة، ولهذا قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] وقال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6] .
2- النصر من عند الله: أخي لا تحمل هم النصر، بل احمل همَّ العمل.
ففي حديث البخاري يأتي خباب بن الأرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقية الصحابة، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فيقولون: {يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! -لقد كوتهم الآلام والمصائب والنكبات- فيقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما يعتدل في جلسته: إن الرجل ممن كان قبلكم يؤتى به، فيحفر له في الأرض فيوضع فيها، ويمشط بأمشاط من حديد ما دون لحمه وعظمه من عصب ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون} .
نعم، يقولها صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردةً له في ظل الكعبة، فلا تحمل همَّ نصر الإسلام، نصر الإسلام ليس بالضرورة منك أنت، النصر من عند الله تعالى كما قال سبحانه: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] ولكن منك أنت العمل والإعداد والبذل بقدر ما تستطيع.
والنصر يأتي بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله، ولهذا أيضاً في الحديث الآخر المتفق عليه حديث أبي هريرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {بينا أنا نائم، إذا أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي} نعم وضعت في يده وهو نائم عليه الصلاة والسلام فهذه أمة مرحومة، أمةٌ منصورة، أمةٌ حملها الله تعالى رسالة الإسلام، وكتب لها النصر، لماذا؟ لأنها ليست أمة عِرْق، لا نعني بذلك الأمة العربية مثلاً، أو الأمة الكردية، وإنما نعني بذلك الأمة الإسلامية من أي لون، أو جنس كانوا.
الإسلام دين الله عز وجل، والقرآن كتابه، وليس الإسلام أمراً شخصياً يموت بموت صاحبه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول كما في الحديبية: {أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره ولن يضيعني} .
فدين الله تعالى محفوظ ولا ينبغي لك أبداً أن تخاف عليه، وهكذا نور الدين محمود لما قال له القاضي: يا إمام لا تخض المعركة، فإنك إن قتلت انكسر المسلمون، فتبسم وقال: مَن محمود؟! لقد أعز الله البلاد بالإسلام قبلي.
لا إله إلا الله، فالدين دين الله، والأمر أمره وهو المتكفل بحفظه وصيانته، وما عليك أنت إلا أن تبذل وسعك لنجاة نفسك لا غير.