كلما سمعنا خبراً جديداً تساءلنا، ماذا نفعل؟ ماذا نقول؟ ما هو دورنا؟ ما مهمتنا؟ أنا لا ألومك، ولا أعترض على طريقتك، افعل ما تشاء، واجتهد قدر وسعك في إصلاح أي وضع فاسد أو إزالة أي منكر قائم، أو إيجاد أي معروف قد اختفى وزال، ولا أحد يلومك، فاجتهد وسعك في ذلك، ولكن لا يجوز أن يكون الجهد الذي تبذله مرهوناً بظرف خاص، أو مرتبطاً بمشكلةٍ وقتيه، لا، نحن نريد جهداً دائماً.
ويتصور البعض أن الطرق مقفلة، والأبواب مغلقة، والواقع أن الدعوة إلى الله عز وجل لم تشهد خصباً في المجالات، وتنوعاً في الأساليب، وكثرةً في الطرائق كما تشهدها الآن، حتى إنني أقول: لكأنك في أرض جرداء بور لا يملكها أحد.
خط برجلك بقدر ما تريد واملك، امش خطوة ينفتح أمامك ألف خطوة، لكن لا تكن هياباً ولا وجلاً ولا متردداً، ولا ذا همةٍ ضعيفة.
كن ذا همةٍ قوية، واجعل نطاق تفكيرك أكبر من مدينة أو بلد أو قرية أو حتى دولة، أنت تعيش بين عشرة ملايين، لكن ألا تعلم أن ثمة مائة وخمسين مليون مسلم جاءهم الإسلام عن طريق قليل من التجار الحضارم الذين ذهبوا إلى هناك للتجارة، وحملوا الإسلام على طريقهم، فلماذا لا تكون واحداً من هؤلاء؟ إن الصدمات التي يلقاها المسلمون لا تحطمهم قط، بل هي تنشئ وتعزز وتقوي، وكما يقول المثل: السم الذي لا يقتلك يعطيك المناعة بإذن الله.
مثل دنيوي: هذه دولة اليابان اليوم، وهي دولة عزيزة منيعة ممكنة في الأرض، ضُرِبَتْ أمس بالقنابل الذرية ودمرت، ورفعت يديها بالاستسلام المطلق إن هذه القنابل التي نزلت عليهم كانت من أسرار قوتهم، وتمكينهم الذي يشهدونه اليوم، لقد جعلوا من آثارها ميداناً واسعاً يذكرهم ويشد شعبهم إلى مأساة الماضي، ثم يحفزهم إلى الإعداد للمستقبل، وبذل الوسع والجهد في تطويره، ومواجهة العدو بالوسائل المكافئة، فنجحوا مع أنهم لا يملكون الأرض، ولا يملكون الثروة، ولا يملكون أي عامل من العوامل المادية، بل وقبل ذلك لا يملكون العقيدة الصحيحة التي هي سر من أسرار التضحية والبذل والفداء والجهاد.
لا يملكون إلا الإنسان الجاد الحازم المصمم على رغم الإفساد الأمريكي، أما نحن المسلمون فكم صدمنا وصفعنا بالأحداث، صفعنا النصارى واليهود والغرب والشيوعيون ومن لا دين لهم، ونحتاج إلى أن نحول من هذه الصدمات فرصةً نجدد فيها العزيمة والصدق مع الله عز وجل.
التضحية: إنه لا بد من التضحيات، فلقد أُخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة وكان يمر على القبائل: {من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي؟} فلم يعد نفسه مربوطاً بقبيلة، ولا بظرف، ولا ببلد، ولا بوضع، إنما مهمته هذه الدعوة، من استجاب لها فهو الذي يظفر بمقام النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيه، ونحن كثيراً ما نحجم عن عمل من الأعمال بسبب المخاوف الوهمية التي لا حقيقة لها، والتي ليست سوى تثبيط من الشيطان، وهي أمور ليست محرمة في الشريعة، ولا ممنوعة في الأنظمة أيضاً، ولكن كما يقال: أذل الحرص أعناق الرجال.
افترض أنك ضحيت وضاع شيء من مالك، أو تأخرت الترقية، أو حتى تعرضت للمساءلة، افترض أنك سجنت، فماذا في ذلك؟ هل أنتِ إلا إصبعٌ دميت وفي سبيل الله ما لقيت ولست أبالي حين أقتل مسلماً لى أي جنبٍ كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزع إن المسلم يخوض المعركة وهو يبحث عن الموت أو القتل في مظانه، فأي ضيرٍ عليه أن يسجن في سبيل الله، أو يعذب، أو يساءل، أو يتأخر عليه شيءٌ من عرض الحياة الدنيا الزائل؟! إن المصيبة -أيها الأحبة- أن لدينا استعداداً أن نعمل شيئاً، لكن لا نريد أن يهب النسيم على وجوهنا، قد يتطلب الإسلام دمك، وقد قتل غلام فحيت أمة، (باسم الله رب الغلام، آمنا برب الغلام) .
نعم آمنوا كلهم، فمات واحد وحيت أمة بأكملها، والله تعالى يقول: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32] وهكذا تكون التضحية في أوانها وفي حينها وفي وقتها المناسب.
نعم لقد قتل ولم يكن منتحراً يوم دل الملك على الطريقة السليمة التي يتم بها قتله وإزهاق روحه، فقال: اصلبني إلى جذع شجرة، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام، بعدما تجمع الناس على صعيد واحد، لم يكن منتحراً، بل كان يفعل عين الصواب، وعين الحكمة، وعين المصلحة، لأنه وإن ذهب هو فقد آمنت هذه الأمة كلها ففقد الناس رجلاً مؤمناً واحداً، وظفرت الأرض بآلاف من المؤمنين الذين صبروا على ما عذبوا وكذبوا وأوذوا، حتى حفرت لهم الأخاديد، وآمنوا بالله عز وجل، وانتقم الله عز وجل لهم من فوق سبع سماوات.
ليس ضرورياً أن تكون أنت فارس الميدان الذي لا قبله ولا بعده، لكنك تصلح لشيء ما، وأنت تعلم أنه لما مات الرسول عليه الصلاة والسلام ولى الناس بعده أبا بكر، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر بون شاسع، فهذا نبيٌ مصطفى مؤيدٌ بالوحي من السماء، وهذا خليفة صديق ولكن مع ذلك كان لا بد من هذا.
إذاً: فيجب علينا أن نقوم بدورنا دون أن يتصور الواحد منا أنه إما أن يقوم بكل شيء، وإما ألا يقوم بشيء، ليس للدعوة شرط إلا {بلغوا عني ولو آية} أن تتكلم فيما تعلم.