الرجل الذي بال في المسجد

وانظروا إلى صورة أخرى تؤكد ما قلنا: وهي ما رواه الشيخان من قصة الأعرابي الذي جاء إلى المسجد فبال فيه، فكان موقف الصحابة رضوان الله عليهم: أن قاموا إليه ليزجروه وينهروه، لكن المعلم الأول الذي وصفه الله تبارك وتعالى بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] والذي وصفه سبحانه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ووصفه بقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فهو صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يتركوا هذا الرجل، وقال: لا تزمروه -لا تعجلوه- دعوه حتى يتم بوله، فلما أتم بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه، ثم دعا هذا الرجل، وقال له: {إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول وهذا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن -فماذا كانت النتيجة- فقال هذا الرجل: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً} لأنه أعجب بأسلوب النبي صلى الله عليه وسلم، ونفر من طريقة الصحابة رضي الله عنهم، فلم يرض أن يشركهم معه بطلب الرحمة، وطلب أن تخص الرحمة محمداً صلى الله عليه وسلم معه فقط، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: {لقد تحجرت واسعاً} وفي بعض الألفاظ أنه قال لأصحابه: {أتقولون: هو أضل أم بعيره} لأن هذا يدل على جهل هذا الرجل وبعده عن العلم والمعرفة، فكيف يحجر رحمة الله التي قال الله تبارك وتعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] فكيف يطلب أن تقتصر هذه الرحمة عليه، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد أن هؤلاء الصحابة نهوه عن أمر هو محرم في الأصل.

إذن هكذا كان أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة مثل هؤلاء الناس.

ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم شأنهم في ذلك شأن غيرهم من البشر، فيهم وفيهم، فيهم من يميل إلى التيسير، وفيهم من يميل إلى التشديد، لكن فرقهم رضي الله عنهم عن غيرهم من الناس أنهم يقفون عند النص لا يتعدونه، فإذا ثبت لديهم النص عن الله أو عن رسوله، خالفوا كل ما يهوون أو يشتهون أو يريدون، واتبعوا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015