وانظروا إلى حذيفة رضي الله عنه، يستنكر على رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، كان له مسلك خاص في موضوع الوضوء والطهارة، فقد كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يشدد في البول، حتى إنه كان يبول في قارورة، كما روى ذلك مسلم في صحيحه والحديث أصله في الصحيحين، وكان يقول رضي الله عنه: [[إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم البول قرضه بالمقاريض]] فلما سمع حذيفة بهذا كره هذا التشدد، وقال: [[لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد]] ثم استشهد حذيفة رضي الله عنه بنص، يدل على تيسير الرسول صلى الله عليه وسلم في موضوع الطهارة فقال: {لقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سباطة خلف حائط، -والسباطة هي القمامة- فقام صلى الله عليه وسلم كما يقوم أحدكم فبال} وفي اللفظ الآخر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم، فبال قائماً، فقال حذيفة فانتبذت منه -أي فابتعدت منه- فأشار إلي فجئت فقمت عند عقبه حتى فرغ} وهذا يؤخذ منه عدم التشديد في موضوع الطهارة، وعدم إتاحة المجال للشيطان ليوسوس للإنسان ويقول له: لعله أصابك شيء، لعلك لم تتطهر، لعل رذاذ البول وصل إليك إلى غير ذلك من الوساوس التي لو فتح الإنسان بابها لوصل إلى أمر من التشديد قد يسر الله سبحانه وتعالى فيه على الإنسان.
ويؤخذ من الحديث أنه يجوز للإنسان ويقول له: أن يبول وهو قائم، إذا كان في ذلك استتار عن الناس، وإذا لم يكن في أرض صلبة يتراشق منها البول على ثيابه أو على جسده، وهذا الحديث كما ذكرت لكم في صحيح مسلم.