والحقيقة أنني كنت أحضرت قدراً ممتعاً شيقاً من أخبار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومواقفه المختلفة سواء في بيته، أو مع زوجاته، أو مع أصحابه، أو مع العصاة والمذنبين، أو مع الكفار، ومع سائر الناس، وفي جميع المواقف، وكنت أتمنى أن يكون الوقت أطول، حتى نمتع أنفسنا بسماع طرف من أخباره عليه الصلاة والسلام؛ لنعرف المعنى الحقيقي ليسر الدين وسماحته.
وباختصار أقول: لو رأينا هذه القصص والأخبار، ثم قسنا عليها واقع كثير من المنسوبين إلى العلم لاستغرابنا.
إن كثيراً من الناس يوقرون أنفسهم عن أشياء، ويرفعون أنفسهم عن أشياء كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلها بكل بساطة وتواضع، كان الكافر يأتي ويدخل المسجد، فيمر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيخاطبه ويكلمه، ويقول له: ماذا تريد؟ وهذا في الصحيحين.
وكان الرجل الأعرابي يأتي في الخطبة، فيقول: يا رسول الله! جاهل يسأل عن أمر دينه، فلا ينهره رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ينزل عن منبره كما في الصحيح، فيوضع له كرسي قوائمه من حديد، فيجلس، فيعلمه دينه، ثم ينصرف إلى خطبته.
وكان الرجل يأتي مكتئباً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قد فعل موبقة من الموبقات، إما جامع أهله في نهار رمضان، أو زنى والعياذ بالله أو فعل شيئاً من ذلك، فيقابله الرسول صلى الله عليه وسلم برحابة صدر وهدوء بال، وإذا أقام عليه الحد لم يسمح أن يساء إليه، ولا أن يشتم، بل قال: لا تفعلوا، لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله، وهذا في الصحيحين تطلب منه عائشة رضي الله عنها أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فيضع كتفه لها، وتضع هي خدها على خده تنظر حتى ملّت، فيلتفت إليها، ويقول: حسبك يكفيك، فتقول: نعم، فينصرف لا ينصرف حتى تنصرف هي، وأخبار من ذلك كثيرة معلومة، لو اتسع الوقت لسردنا شيئاً منها طيباً ممتعاً انتقيته مما في صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله.