الحمد لله وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ الذي بعثه الله بهذا الدين وجعله خاتماً للرسل، وجعل دينه خاتماً للأديان كلها، فقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار} .
ونحمد الله أن جعلنا من أتباع هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، وجعلنا من المؤمنين بهذا الدين، ونسأله أن يثبتنا عليه حتى الممات، وأن يبعثنا عليه، وأن يحشرنا في زمرة أوليائه وحزبه المفلحين.
أيها الإخوة إنه كلما ازداد بُعد المسلمين عن دينهم، وازداد جهلهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وازداد تعلقهم بالدنيا وركضهم وراء متاعها الرخيص الفاني كانوا معرّضين لدائين من أخطر الأدواء وأشدها فتكاً بالأمم والأفراد: الداء الأول: هو داء ضعف اليقين، وضعف الإيمان، وضعف الاتباع الذي يترتب عليه التقصير في أداء الواجبات؛ فضلاً عن السنن والمستحبات، والتساهل في فعل المحرمات؛ فضلاً عن فعل المكروهات، فهذا هو الداء الأول.
أما الداء الثاني: فهو داء عكسي، وهو التشدد في الجانب الآخر؛ حيث يوجد من المسلمين إزاء هذه الهجمات المادية وإزاء طغيان المادة وغلبتها على المسلمين من يقف في الطرف الآخر؛ فيتشدد ويغلو كرد فعل لهذه الموجة الطاغية، ولو قلبنا صفحات التاريخ الإسلامي لوجدنا هذا الأمر واضحاً جلياً، فحينما فُتحت الدنيا على المسلمين وتمتعوا بالثراء والنعم الكثيرة ترتب على ذلك ضعف تمسكهم بالإسلام أولاً، وترتب عليه ظهور بعض الفرق والطوائف المغالية في الدين والمتشددة فيه.
وفي مثل هذه الأيام التي نعيشها نجد هذا الأمر -أيضاً- واضحاً؛ حيث فُتحت الدنيا على المسلمين في الثراء والمال والنعم، وحيث أثّرت فيهم الحضارة الغربية بما فيها من مفاتن ومفاسد، فضعف تمسك كثير منهم بالإسلام، وترتب على هذا أمر آخر، حيث وجد من المسلمين من يتشدد ويغلو في الدين كردة فعل لهذا الانحراف وضعف اليقين عند الناس.
وأمام هذا الأمر يكون من الواجب على طلاب العلم أن يهتموا بالحديث عن يسر الإسلام وسماحته لسببين: الأول: حتى يردوا على من غلا في الدين وتشدد بما لم يأذن به الله، ويبينوا أن هذا ليس هو منهج الأنبياء والمصلحين.
السبب الثاني: حتى يردوا المبتعدين عن الدين إلى الدين؛ لأن أولئك المبتعدين في حاجة إلى من يبصرهم بسماحة الإسلام ويسره ومراعاته لفطرة البشرية، حتى يتألف قلوبهم على هذا الدين ويردهم إليه بالتي هي أحسن؛ ولذلك عندما أتيحت لي فرصة أن أتحدث عن موضوع فاخترت الحديث عن يسر الإسلام وسماحته -أو الحديث عن المسلمين بين التيسير والتشديد- وأصل هذه الكلمة هي أن نعيش معكم لحظات نتحدث فيها عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن طرف من أخباره وأسلوبه في مواجهة الأمور، وهديه صلى الله عليه وسلم في التيسير، وتحذيره من التنطع والتشديد.
ولكنني قبل ذلك أستغرق من الوقت دقائق معدودة؛ حتى أمرّ فيها مروراً سريعاً على الموضوع لأبين أسباب هذا التشدد، وصوره ونتائجه وعلاجه.