أيها الإخوة لقد علمتم من خلال هذا العرض السريع، لمواقف الناس وأصنافهم، ولاحظتم من خلال هذه الآية أن المسلمين من أهل القبلة يختلفون في فهمهم ليسر الإسلام وسماحته، فمن مسلم شدد على نفسه، فشدد الله عليه، إلى ميسر بغير بينة ولا برهان، إلى الأمة الوسط التي تعتبر التشديد والتيسير أمراً لا يخضع لأهواء البشر، وإنما يخضع للنصوص الشرعية التي جاءت من عند الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءنا بهذا الدين من عند الله الذي خلق البشر وعلم خصائصهم وصفاتهم وطبائعهم، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] بلى يعلم سبحانه، وقال: {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفرقان:6] لا تخفى عليه خافية.
لقد خلق الله جنس الإنسان من لدن أبينا آدم عليه السلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بصفات هو بها أعلم، ووصف الإنسان في محكم تنزيله بالضعف والجهل والعجلة والظلم والنقص، وخلق الإنسان كما في الحديث الصحيح: {خلقاً لا يتمالك} خلق الإنسان محتاجاً للطعام ومحتاجاً للشراب ومحتاجاً للنوم ومحتاجاً للزوجة ومحتاجاً للأنس والترويح، ساعة بعد ساعة، ومحباً للمال والأهل والولد والمتاع، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران:14] فالإنسان بطبعه بشر من البشر، فيه ضعف البشر، ونقصهم، وجهلهم، وحاجتهم، لا ينفك عن هذه الخصائص مهما ارتقى في مراقي العبودية والإخلاص لله تبارك وتعالى.