أيتها الأخت الآتية إلى بيت من مساجد بيوت الله، الجالسة تستمعين ذكر الله، نحن نعرف ظروفك، فأنت أم لمجموعة من الشباب الموظفين رواتبهم كثيرة طيبة وهم أهل بر وإحسان، فكل واحد منهم يسارع أن يسبق الآخرين إلى تحصيل رضاك، وفي مطلع كل شهر هم يأتونك بمبالغ طيبة من المال، يمسحون بها خاطرك، ويبحثون بها عن مرضاتك، فتأخذين هذا المال وتحتفظين به، ثم إنك ربما سمحت به خواطر بعض الأطفال؛ فتشترين لهم بعض الحلوى، وبعض المبالغ اليسيرة، وبعض أنواع المأكولات، تعطينها لهؤلاء الأطفال، حتى تحضي منهم بابتسامة أو بدعوة، أو بكلمة جزاك الله خيراً، أو برضا أهليهم ولا حرج عليك في ذلك، ولكن ينبغي أن تدركي -أيضاً- أن هناك من هو أحوج إلى أن يسمح خاطره، وتطيب نفسه ويزال ما يعاني من الهم والفقر اللأواء والجوع.
ونعرف أن أختكِ التي تجلس إلى جوارك في هذا المسجد المبارك، أنها هي الأخرى أرملة لفلان بن فلان الغني الكبير الذي مات عنها وترك أموالاً طائلة؛ فورثت بعده هذا المال أو جزءاً منه، وهي لا تدري فيما تنفق هذا المال، وربما صرفته في غير وجوهه، أو على أحسن الأحوال، ادخرته لنفسها، فهل تظنين أن لك عمراً آخر سوف تنفقين فيه هذا المال؟ كلا.
إن مالك هو ما قدمت ومال وارثك ما أخرت.
أما أختك الثالثة، تلك التي تقبع وراءً، فنحن -أيضاً- نعرف طرقها فهي مدرسة تستلم في نهاية كل شهر ما يزيد على عشرة آلاف ريال، ونعلم أنها تغير أثاث منزلها كل سنة، وأنها تخرج أحياناً إلى السوق في شهر رمضان وفي غيره، فتشتري ألواناً من الملابس والفساتين، وبعض متطلبات المنزل، وبعض الأواني، ثم تُهدي ما كان عندها من الأشياء إلى جيرانها وأقاربها ومعارفها ونعلم أن أهون شيء عليها؛ أن تشتري فستاناً بألف ريال أو ألفي ريال ثم تكتشف بعدما تعود إلى المنزل؛ أنه طويل أو قصير أو ضيق أو لونه غير مناسب، ثم لا ترجعه إلى صاحب الدكان، وإنما ترمي به وتقول الأمر هين والخطب يسير، وبدله غيره.
لماذا؟ لأن عندها هذا المال الكثير، الذي لا تكلف بإنفاق شيء منه.
إن زوجها مطالب شرعاً حتى بتأمين الطعام الذي تأكله، واللباس الذي تلبسه، والشراب الذي تحتاجه، والحذاء الذي تنتعله، وكذلك ما يتعلق بأطفالها وأولادها، ولذلك كان هذا المال الكثير الذي تستلمه، كان زيادة لا تدري كيف تصرفه.
وأحسن من هذا تلك الأخت الأخرى، التي تحتفظ بالمال، أو تنفقه في وجوه مباحة، أو تعمل على أن تزيد المال من خلال المضاربات التجارية والمساهمات المباحة.
ونقول لهذه الأخت وتلك وللثالثة: أمامكن ذلك المجال الخصب العظيم: للإنفاق في سبيل الله، إن هذا المال مهما ربي، فإنه يكسب (100%) على أحسن الأحوال، ولكن أمام الأخوات جميعاً تلك المساهمة الكبيرة العظيمة الريال بسبعمائة ريال، إنه في سبيل الخير، وإنها المسابقة في الطاعات، إنها المتاجرة مع الله: {َمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] .
إنه الربح العظيم، والتجارة التي لا تبور، وإذا كانت مشاركتكن -أيتها الأخوات- في أعمال الدنيا قد تخسر وقد تربح، فإن المشاركة والمتاجرة مع رب العالمين ربح مضمون، وليس فيه شائبة ربا ولكنه حلال وأجر وبر وذخر، عند من لا يضيع عنده شيء، فأين المتسابقون والمتسابقات؟ وأين المتنافسون والمتنافسات؟ أيتها الأخوات الكريمات، أقلكن من تملك مقداراً من المال، ومن تدَّخرُ شيئاً منه لمقبلات الأيام، فلماذا لا تسرع الأخت بالإنفاق، وتدرك أن رزق اليوم يأتي به الله عز وجل، ورزق غدٍ يأتي معه؟ كل يوم له رزقه الخاص، وعلى العبد ألاَّ يحمل هم غد تقول سكينة بنت الحسين: سهرت أعين ونامت عيون لأمور تكون أو لا تكون إن رباً كفاك ما كان بالأمس سيكفيك ما غداً سيكون