Q هل العلم نفسه عبادة لله عز وجل؟ فبعض الناس يحجم عن طلب العلم بحجة أنه لا يستطيع تبليغ العلم في هذا الزمان، وما كل أمر يريد أن يقوله يستطيع أن يقوله؟ فما رأيكم؟
صلى الله عليه وسلم أما أن طلب العلم عبادة، فلا شك أنه إذا كان لوجه الله تعالى فهو من أعظم القربات، ولذلك صرح بعض أهل العلم كـ الشافعي والإمام مالك وغيرهما بأن طلب العلم يقدم على النوافل الأخرى، وهذا ظاهر لأسباب كثيرة:- منها أن العبادات تفتقر إلى العلم، والعلم لا يفتقر إلى نوافل العبادات، فالإنسان لو تعبد على غير علم قد يعبد الله على جهل وضلال، فالعبادة تفتقر إلى العلم في تصحيحها، والعلم لا يفتقر إلى العبادة.
ومن جوانب فضل العلم على العبادة أن العلم نفعه متعدٍ، والعبادة نفعها لازم، فالعالم ينفع الله به الناس كلهم، والعابد ينفع نفسه.
ومنها: أن العلم يكون به حفظ الشريعة، وليس كذلك العبادة، فإن العُبَّاد قد ينشغلون عن طلب العلم وتحصيله، ويضيع عليهم الكثير من أمور الدين.
ومنها: أن العلماء هم ورثة الأنبياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن العلماء ورثة الأنبياء} وليس كذلك العُبَّاد، فلم يرد في شأن العُبَّاد مثلما ورد في شأن العلماء أنهم ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
ومنها أن العلماء هم الذين أمر الله تبارك وتعالى بطاعتهم، ولم يأمر بطاعة العُبَّاد كما في قوله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] وكما في قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فأولي الأمر -كما قال المفسرون- هم العلماء والأمراء، فطاعة العلماء فيما يبلغونه من دين الله وشرعه واجبة بخلاف العباد إلى غير ذلك من الأسباب التي يعلم بها أن الاشتغال بالعلم من أعظم القربات وأجل الطاعات، لأن فيه حفظ الدين كما ذكرت.
أما كون الإنسان أحياناً لا يستطيع أن يقول كل ما في نفسه، فنحن نسأل: لماذا؟ لغلبة الشر وكثرة الأشرار، فلو أن المسلمين انتدب منهم من يحرصون على تعلم العلم وتعليمه ونشره لتغير الحال، وأصبح الخير هو الغالب، وأمور المجتمعات -أيها الإخوة- مرتبطة بعضها ببعض، فكثيراً ما تجد بعض الناس يكثر من اللوم على القائمين على أحوال المسلمين، من السلاطين وغيرهم وما وقعوا فيه، وينسى لوم الناس أنفسهم، والواجب لوم الجميع؛ لأن الأمور هذه مرتبط بعضها ببعض، والله عز وجل يقول في كتابه: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] فإن ما سلط على الناس يكون سبباً في عدم إمكانية أن يقول الإنسان كل ما عنده، وينشر علمه في كثير من البلاد، بسبب سوء أحوال الناس وانحرافهم، فعوقبوا بشيء من ذلك.
فإذا عملنا على إصلاح أنفسنا ونشر العلم؛ فإننا بذلك نجد كثرة العلماء والمتعلمين وكثرة الفرص التي يستطيع الإنسان بها أن ينشر علمه، وفي كثير من الأحيان قد تجد هناك مسئولاً فيه خير وصلاح، يبحث عن إنسان صالح ليعتمد عليه في من حوله، فلا يجد، لغلبة الشر -كما ذكرت- وكثرة الأشرار وتنفذهم، فهذا الذي ترك طلب العلم بحجة أنه لا يستطيع أن ينشر علمه، فماذا عمل بعد ذلك؟ قعد في بيته واشتغل بتجارته أو وظيفته أو دراسته، وتعطل من المصالح الشرعية جملةً، وهذا في الواقع ليس بحل.