الوقوع في المعاصي لا يمنع من القيام بالنهي عن المنكر

النوع الرابع من الأسئلة: أسئلة متنوعة.

Q أحد الإخوة يسأل عن حديث أسامة بن زيد المتفق عليه {يؤتى بالرجل يوم القيامة فتندلق أقتاب بطنه، فيدور فيها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان مالك! ألم تكن تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر!؟ قال: بلى.

كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه} ويقول: كيف يأمر الإنسان بالمعروف، وينهى عن المنكر، وهو واقع في المعاصي، مع ورود هذا الحديث؟

صلى الله عليه وسلم أقول: في هذا الحديث ليست العقوبة لأن الإنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لكن لأنه كان لا يأتي المعروف، وكان يفعل المنكر، فخطأ أن تظن أن عقوبة هذا الرجل لأنه كان يأمر بالمعروف وكان ينهى عن المنكر، لا، عقوبة هذا الرجل بالنار لأنه كان يفعل المنكر، ويترك المعروف، كان يقول للناس مثلاً: إياكم والربا، ثم يذهب ويأخذ الربا أضعافاً مضاعفة.

فيوم القيامة عذب، وقيل له: أنت تعرف أن الربا حرام، وكنت تنهى الناس عنه، ومع ذلك تأكله! إذاً لا عذر لك، فيزج به والعياذ بالله في نار جهنم، ليس لأنه نهى عن الربا، ولكن لأنه أكل الربا.

وقد يكون هناك احتمال آخر في معنى الحديث: هو أن نهيه عن الربا كان على سبيل الخداع والنفاق.

أما إنسان جاد، يأمر الناس بالمعروف على سبيل الجد والصدق، لكنه عاجز، يجلس للناس ويقول: يا ناس! والله قيام الليل فيه من الفضل كيت وكيت، ويوبخ الناس على ترك قيام الليل، فإذا ذهب إلى بيته نام نومة طويلة، لا يوقظه إلا أذان الفجر! أيعذب هذا؟! أو يقال له: لا تأمر الناس بقيام الليل لأنك لا تفعل؟! لا.

بل افترض أن إنساناً واقع في معصية، خفية أو ظاهرة، وسئل عنها، أو جاءت مناسبة ما، أينهى الناس عن هذه المعصية؟ بل واجب عليه: ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمدِ ولذلك ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف، وهو الصحيح، بل أرى أنه لا يجب أن يكون فيه خلاف، أنه واجب على أصحاب المعاصي أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، مثلما هو واجب على غيرهم، ومن الذي خولهم وأعطاهم صلاحية، إذا وقعوا في المعصية أن يقعوا في معصية أخرى، وهي ألاَّ ينهوا عنها، أليس ترك النهي عن المنكر معصية؟ بلى، إذاً من الذي أعطاهم صلاحية أنهم إذا وقعوا في المنكر يقعون في معصية أخرى، وهي ترك النهي عن المنكر.

وترك المعروف أيضاً معصية، إذا كان واجباً، إذا المعروف تركوا الواجب، تركوا صلاة الجماعة فمن الذي أعطاهم صلاحية أن يقعوا في معصية أخرى، وهي أن يتركوا الأمر بها؟! مثال: رجلٌ في البيت لا يصلي مع الجماعة، فاعل معصية، عنده أطفال، وشباب يصلون في البيت، فقال: يا أولادي! اذهبوا صلوا في المسجد.

هل نقول له: أنت آثم؟! لماذا تأمرهم بالصلاة في المسجد وأنت لا تصلي؟! كلا.

نقول: هو مأجور على أمره لأولاده بالصلاة في المسجد، ولو كان هو مقصراً، لكن نقول له: ما دمت تعرف أن الصلاة في المسجد واجبة، فيجب أن تأمر نفسك أولاً، قبل أن تأمر أولادك، وإذا لم تمتثل فيجب أن تأمر أولادك أيضاً.

ومثله: مسئول في إدارة، أو أمير يشرب الخمر، وينهى الناس عن ذلك، ويعاقب من يشرب الخمر، ويقيم عليه الحد.

هل نقول له: أنت آثم؟! كيف تعاقب الناس، وتنهاهم عن أمر أنت تفعله؟! كلا ثم كلا، بل واجب عليه أن يفعل ذلك، وهو مثاب عليه.

ولذلك قال بعض حذاق أهل العلم: واجب على من يتعاطون الكئوس أن ينهى بعضهم بعضاً، فإذا كان هناك أناس جالسون يشربون الخمر والعياذ بالله فيجب في تلك الحالة أن ينهى بعضهم بعضاً، إذ كيف يعطيه الكأس ويقول: خذ هنيئاً مريئاً؟! فهذا الكأس حرام، لا فهذا استخفاف بالحكم الشرعي.

والواجب أنه إذا شرب قال أحدهم مثلاً في لحظة من لحظات الصحو والإفاقة: لا حول ولا قوة إلا بالله! والله نحن مسرفون على أنفسنا، نحن عصاة، لو قبضنا على هذه الحال ترى كيف يكون حالنا! نموت والخمر في بطوننا: {ومن شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} إلى غير ذلك، فالحقيقة نحن مسرفون، عسى الله أن يتوب علينا.

هذا كلام طيب حسن وإن كان قائله عاصياً.

فينبغي أن نتفطن لذلك جيداً، وهي مسألة حساسة، شرحتها في غير موضع، ومن أراد الاستزادة يرجع إلى مواضعها ومراجعها، لأن بعض الناس يستشكلون هذه المسألة ويستغربونها، تطرق أسماعهم لأول مرة ويكثر السؤال عنها، وأرى بعض الإخوة على وجوههم علامات التعجب منها! في مناسبات كثيرة، وهي مسألة واضحة جداً، لا إشكال فيها {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] الله عز وجل ما عاتبهم بالبر، لا، عاتبهم لماذا ينسون أنفسهم! {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3] نعم، هم مذمومون على ترك المعروف، وفعل المنكر، مذمومون لا شك؛ لكن ليسوا مذمومين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كانوا لا يفعلونه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015