إذاً: المعيار في معرفة المعروف والمنكر ليس أمزجة الناس؛ لأنها تتفاوت، فقد تستحسن القبيح وتستقبح الحسن وكما قيل: يقضى على المرء في أيام مختلفة حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن فيشيع عند الناس يوماً من الأيام عادة أو موضة تقليد أي أمر من الأمور، ويتحول إلى أمر مستحسن في أذواقهم وأمزجتهم وهو منبوذ شرعاً ومحرم أو مكروه، إذاً لا عبره بانطباع الناس عن هذا الأمر، إنما العبرة بثلاثة أمور: الأمر الأول: القرآن: فإذا ثبت في القرآن أن أمراً من الأمور معروف فهو معروف ولا يحتاج إلى كلام فيه.
الأمر الثاني: السنة النبوية: فإذا جاءت الأحاديث عن المصطفى عليه الصلاة والسلام بأن هذا الأمر مطلوب وجوباً أو استحباباً، فهو معروف، وإذا جاءت بأن هذا الأمر مطلوب تركه إما تحريماً أو كراهية فهو منكر.
الأمر الثالث: الذي يتميز به المعروف والمنكر هو واقع المجتمع النظيف السليم، وأخص المجتمع الأول فهو المقياس ولذلك نقول أيضاً في أبواب الاعتقاد عموماً: أن ما كان عليه الجيل الأول هو العقيدة الصحيحة بدون جدال ولا نزاع يختلف مثل الأشاعرة عن المعتزلة وعن الماتريدية وعن الجبرية وعن القدرية وعن الخوارج، فنقول: إن المقياس في ذلك هو الرجوع إلى ما كان عليه الجيل الأول.
ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث الفرقة الناجية لما ذكر: {أن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي} فجعل المعيار والمقياس في معرفة الطريق الصحيح وهو طريق النجاة في السلوك والقول والعمل والاعتقاد، هو التزام ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ويمكن أن نقول: إن القرون الفاضلة إجمالاً كان رجالاتها وزعماؤها على المنهج وعلى الخط والطريق نفسه، لم يغيّروا ولم يبدلوا ولذلك قال عليه السلام: {خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم} .