الأصل في المجتمع المسلم

المجتمع النظيف الصالح المسلم الأصل أنه يعرف المعروف وينكر المنكر، لكن هذا لا يعني أن المجتمع يتحول إلى مجتمع صحابة، فالإنسان بشر، ولذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه يقول: {لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفروه فيغفر لهم} ؛ لأن من أسمائه عز وجل أنه غفور رحيم، وإنما غفرانه جل وعلا لعبيده الذين أخطئوا وضلوا عن الطريق، ثم تابوا إليه وأنابوا، أو بدر منهم بوادر غلط فندموا عليها.

حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ذكر الله في القرآن الكريم عنهم كمثل آدم عليه السلام، وموسى، وغيرهما من الأنبياء، حتى محمد عليه الصلاة والسلام، كان يحدث منهم أمور أقل ما يقال فيها أن الأولى تركها، وبعضها قد يكون ممنوعاً كما حدث لآدم عليه السلام {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:121-122] فيقول النبي من الأنبياء: يا رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، والله عز وجل أبوابه لا تغلق للتائبين.

وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث صفوان بن عسال قال: {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن باب قبل المغرب مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها} فنقول ونحن جميعاً من العصاة المذنبين الخطائين: الحمد لله الذي لم يجعل وقوع الواحد منا في زلة أو سقطة سبباً في إغلاق أبواب الرحمة دونه، وبعده وطرده، بل إن الله جل وعلا وهو الغني يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، فلك الحمد.

وإن الله جل وعلا كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من بني إسرائيل -والحديث في صحيح مسلم {- أذنب ذنباً ثم ندم، وقال: اللهم إني أذنبت فاغفر لي فغفر الله له، ثم أذنب مرة أخرى فقال: رب إني أذنبت فاغفر لي، فغفر له، ثم المرة الثالثة، فقال: رب إني أذنبت فاغفر لي، فقال الله عز وجل: عبدي علم أن له رباً يأخذ بالذنب ويغفر الذنب، افعل ما شئت فقد غفرت لك} .

لكن علينا ألا نغتر بهذا لأن الله عز وجل قال لهذا الإسرائيلي: افعل ما شئت فقد غفرت لك، وهو أعلم سبحانه أن هذا الرجل قام بقلبه من شدة الانكسار بين يدي الله، وشدة الخوف منه، وشدة الندم على الذنب ما كان سبباً إلى رحمة الله له، وعفوه عنه، لكن أنا وأنت وأنتما وأنتم وأنتن، ما يدرينا أن يكون قام بقلوبنا ذلك؟ فربما يعصي الإنسان ثم يستغفر، ثم يعصي ثم يستغفر ثم يعصي ثم يستغفر، ويقال له: لا يغفر لك لأنك كذاب مخادع تعاهد الله عز وجل ثم تغش وتنكث.

فلا يغتر الإنسان بهذا الحديث؛ لأن هذا الرجل أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بأن الله قال له ذلك؛ لكن نحن من يخبرنا أن الله تعالى قال لنا ذلك، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

ولذلك كان من صفات عباد الرحمن في الجنة أنهم كانوا يخافون عذاب الله عز وجل وقد وصفهم بهذا في مواضع كثيرة قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون:57] وقال: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} [المعارج:26-28] .

وهم يقولون: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26] أي: خائفين وجلين {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27-28] .

المهم أني أريد أن أشير إلى أن الإنسان من طبيعته أنه قد يخطئ، وكل ابن آدم خطاء، هكذا يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي وسنده حسن: {كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015