كيفية الصلاة قاعداً

يبقى في حديث الباب، وحديث عمران السابق مسألتان، نقيتان، خفيفتان: هيئة القعود: الأولى هيئة القعود: عرفنا أن المريض يصلي قاعداً إن لم يستطع القيام أو شق عليه القيام مشقة شديدة، فكيف يقعد؟ حديث الباب الراجح أنه موقوف، كما رجحه أبو حاتم، وهو حجة في هذا الباب، والآخر ضعيف فيه مجاهيل، على كل حال نعود إلى المسألة الفقهية مسألة المريض القاعد، المريض إذا أراد أن يصلي قاعداً كيف يقعد؟ أولاً: إذا كان بين السجدتين، فإن الأولى به أن يقعد مفترشاً، إن كان هذا لا يشق عليه، لأن سنة الافتراش بين السجدتين سنة في حق كل مصل.

ثانياً: إن كان في التشهد الأول، فإنه يقعد أيضاً مفترشاً إن كان هذا لا يشق عليه.

ثالثاً: إن كان في التشهد الأخير سن له أن يقعد متوركاً، إن كان هذا لا يشق عليه.

إذاًَ: الكلام في قعوده الذي هو بديل عن القيام، وكذلك في قعوده وهو راكع، فإن الركوع إذا كان في القعود يحتاج إلى هيئة أيضاً، فهذا مما اختلف فيه أهل العلم.

فذهب بعضهم إلى أنه يقعد مفترشاً، والافتراش: أن يفرش اليسرى وينصب اليمنى، مثل القعود بين السجدتين، وهذا هو الأصح عند الشافعيية، وقال به أبو حنيفة، وزفر، قالوا: لأن هذا القعود قعود عبادة، وينبغي أن يتميز عن قعود العادة، كالتربع أو غيره، خاصة أن الافتراش جاء في القعود بين السجدتين، وفي التشهد الأول، فقالوا: الأولى به أن يقعد مفترشاً، وبناءً عليه لا يغير هيئته في كونه بين السجدتين، ولا يغير هيئته في التشهد الأول، لأنه مفترش من الأصل.

القول الثاني: أنه يقعد متربعاً: وصفة التربع أن يفضي بمقعدته إلى الأرض ويجعل ركبته اليمنى عن يمينه، وركبته اليسرى عن يساره، فهذا هو التربع، ويضع إحدى رجليه على الأخرى، فقعود طلبة العلم الآن أكثرهم متربعون، لأن جلسة التربع مريحة ولا مشقة فيها.

وهذا القول هو أيضاً رواية عن الشافعي، وهي التي ذكرها البويطي في روايته عنه، وهو مذهب الإمام مالك، وأحمد، وإسحاق، والثوري، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسين، وبعض أهل الظاهر وغيرهم، قالوا: يجلس متربعاً، واستدلوا لذلك بأدلة، منها.

قالوا: إن القعود بديلٌ عن القيام في الصلاة، فلا بد أن يتميز عن هيئات القعود الأخرى، كهيئة الافتراش، أو هيئة التورك، وأن يكون مخالفاً له، وهذا ذكره النووي عنهم في المجموع وغيره.

ولكنه ليس حجة في الواقع، الحجة لهم، التي يمكن أن يستدل بها حقاً، هي ما رواه النسائي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: [[رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً]] والحديث رواه الدارقطني في سننه، ورواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرطهما، وقال الإمام النسائي في هذا الحديث بعدما رواه في سننه: لا أعلم أحداً روى هذا الحديث، غير أبي داود الحفري وهو ثقة ولا أحسبه إلا خطأ فكأن النسائي رحمه الله قد أعل الحديث، ولكن تعقبه في ذلك المقدسي صاحب المحرر، فقال: وقد تابع أبي داود الحفري محمد بن سعيد الأصفهاني، وهو ثقة) .

فتبين أن أبا داود الحفري، واسمه عمر بن سعد، تابعه رجل آخر هو محمد بن سعيد الأصفهاني فتبين أنه لم ينفرد، ولم يظهر هناك وجه لتخطئة الإمام النسائي له، فيظهر: أن الحديث جيد الإسناد، وأنه يمكن أن يحتج به على مشروعية التربع، خاصة نه قد جاء من فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنه كما في موطأ مالك وقد سبق أن ذكر هذا.

الوجه الثالث: أنه يجلس متوركاً كجلوسه في التشهد الأخير، وهذا وجه في مذهب الشافعية، قالوا: لأنه أعون للمصلي، والواقع: أن التربع قد يكون أعون للمصلي، وأهون له وأبعد عن المشقة عليه، خاصة بالنسبة للمريض.

إذاً في المسألة ثلاثة أقوال: قيل: يجلس مفترشاً، وقيل: يجلس متربعاً، وقيل: يجلس متوركاً، وأوسطها هو أرجحها نظراً وأثراً للدليل الذي ذكرته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015