المسألة الأخيرة مسألة المضطجع: كيف يصنع؟ في هذا أيضاً ثلاثة أوجه: وينبغي أن نضيف فيما سبق في مسألة القاعد أن الاختلاف هاهنا اختلاف في الأفضل، وإلا لو صلى مفترشاً أو متربعاً أو متوركاً صحة صلاته عند جميعهم، وإنما الخلاف في الأفضل.
أما بالنسبة للمضطجع فقد اختلفوا، وبعضهم يرى أن هذا الخلاف بالنسبة للمضطجع ليس خلاف في الأفضل، لكنه خلافاً فيما يجوز وفيما لا يجوز؛ لأنه أمر يتعلق باستقبال القبلة، فمن رأى صورة لم يسعه أن يدعها إلى غيرها، وهو يستطيعها.
فبالنسبة للمضطجع فيه أيضاً ثلاث صور: الأولى: أن يضطجع على جنبه الأيمن، مستقبلاً بوجه القبلة، فيكون حاله كحال الميت الذي يسجى في قبره، يوضع على جنبه الأيمن، ويوضع وجهه وبدنه إلى القبلة كالميت في لحده.
وهنا لو صلى الإنسان على جنبه الأيسر، وهو مستقبل القبلة أجزأه، ولكن مع الكراهه، لكن المهم أن يستقبل القبلة بوجه، وهذا هو الأصح عند الشافعية وهو مذهب مالك، وأحمد، وداود الظاهري وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه وعن ابنه عبد الله بن عمر.
القول الثاني: أنه يستلقي على قفاه، ويجعل رجليه إلى جهة القبلة، ويضع تحت رأسه وسادة يرتفع بها رأسه، بحيث يصير وجهه إلى القبلة، وهذا هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
الصورة الثالثة: هو أنه يضطجع على جنبه الأيسر، أو الأيمن المهم أنه يعطف أسفل قدميه إلى القبلة، وهذا حكي وجهاً في مذهب الشافعي.
أي مثل الوجه الأول، لكن قالوا: يعطف أسفل قدميه إلى القبلة، فلا يكون مستقيماً، ولكن يثني رجليه، بحيث تكون قدماه إلى جهة القبلة.
أما بالنسبة للأدلة، فأصحاب القول الأول: الذين يرون أنه يصلي على جنبه الأيمن يستقبل القبلة بوجهه، دليلهم حديث الباب، حديث عمران {فإن لم يستطع فعلى جنب} أي على جنبه، فهو دليل على أن المريض ينبغي له إذا لم يستطيع أن يصلي قاعداً، أن يصلي على جنبه الأيمن، استحباباً، وإن صلى على الأيسر جاز، ويجعل وجهه إلى جهة القبلة، فهذا يرجحه حديث عمران، {فإن لم يستطع فعلى جنب} .
ومما يقويه أيضاً، ما ذكروه بأنه كالميت في لحده، فإن الميت يوجه إلى جهة القبلة، فهي قبلتكم أحياءً وأمواتاً، فاستقبال الإنسان لها إذا كان في حال اضطجاع لا يستطيع القيام، يكون أيضاً بأن يضطجع على جنبه الأيمن، ويستقبل القبلة بوجهه، وهذا هو ما ذكروه في دليلهم.
أما دليل القول الثاني: أنه يستلقي على قفاه ويجعل رجليه إلى جهة القبلة، ويضع تحت رأسه وساده، فاستدل له بعضهم بحديث علي رضي الله عنه، وفيه قال: {فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة} هذا الحديث يدل للصورة الأولى، وللثانية أيضاً، لأنه قال: {فإن لم يستطع -أي: القيام- صلى قاعداً، فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقياً ورجلاه مما يلي القبلة} .
وهذا الحديث، حديث علي -كما ذكرت- يدل على أن الإنسان ينبغي أن يفعل الصفة الأولى، فيصلي على الجنب الأيمن، فأن لم يستطع انتقل إلى الثانية، وهو أن يصلي على ظهره ورجلاه مما يلي القبلة، لكن هذا الحديث ضعيف، فقد رواه الدارقطني وفي إسناده رجل اسمه حسن بن حسين العرني ضعفه أهل الجرح والتعديل، بل بالغ بعض العلماء فقال: الحديث ضعيف جداً.
والذي يظهر والله أعلم أن المريض يصلي على جنبه الأيمن إن استطاع مستقبلاً القبلة، ولو صلَّى على جنبه الأيسر إن كان أرفق به جاز أيضاً، ويكون مستقبل القبلة أيضاً، فأن لم يستطع صلى على ظهره مستلقياً وجعل رجليه مما يلي القبلة، ووضع تحت رأسه وسادة أو غيرها ليكون وجهه إلى القبلة.
فإن لم يستطع صلى على أي حال، ولو كان على غير تلك الصفة إذا كان لا يستطيع {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .