أسباب عودة العالم الغربي إلىالنصرانية

فالعالم الغربي أدرك أنه مهددٌ بالعقيدة الإسلامية، وهي عقيدة تحمل من القوة والصفاء والسلامة والتأثير والعمق، والكمال ما يجعلها محل إغراءٍ للكثيرين ممن سلمت فطرهم وعقولهم، وأقبلوا على الحق، وليس هذا بحاجةٍ إلى تدليل؛ لأنه يكفي المسلم أن يعرف أن الإسلام دين الله تعالى، وأن هذه العقيدة يتلقاها المسلم اليوم كما تلقاها المسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، غضةً طرية، من القرآن الكريم مباشرة، ومن الحديث الشريف مباشرة، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] .

فشعر العالم الغربي أن الإسلام يملك بذاته من وسائل القوة والتأثير والجاذبية الكثير، ولو كان الإسلام محجوباً بمساوئ أهله وعيوبهم، ولو كان الكثيرون يعزفون عن الإسلام لِأنهم يرون في المنتسبين إليه رداءة الأخلاق، أو التخلف العلمي، أو الغباء السياسي، أو التبعية للغرب أو الشرق، أو غير ذلك من الآفات والأمراض الكثيرة التي حاول الغرب أن يحجب بها مساوئ الإسلام، لكن رغم هذا كله، فإننا نجد عند العالم الغربي حركة في التوجه إلى الإسلام والالتزام بدين الله تعالى، ليس على مستوى العمال مثلاً، ولا على مستوى شعب من الشعوب، وإنما في قلب العالم الغربي وفي منطلق الحضارة، بل في مهد الحضارة في الجامعات الغربية وفي مراكز البحوث والدراسات!! وقد زرتُ أحد المراكز هناك، فأخبروني أنه يسلم عندهم أسبوعياً ما يزيد على عشرين، بعضهم من أساتذة الجامعات، وقد لقيت بعض هؤلاء، فرأيت فيهم الحماسة للدين والاغتباط بهداية الله تعالى والفرح برحمته: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] .

لقد بدأ العالم الغربي يشعر بخطورة الإسلام، ولهذا لم يجد أمامه إلا أن ينكفئ إلى الوراء، ليعود إلى العقيدة النصرانية بتحريفها وتبديلها وتغييرها، وما فيها من التناقض، وما فيها من المخالفة للعقل، وما فيها من المخالفة للدين، ولكنها هي الحل الوحيد أمامه.

يريد أن يعود إليها وينفخ فيها روح الحياة من جديد، وقد ظهرت في العالم جماعات ودعوات ومنظمات تدعو إلى تجديد النصرانية، ولعل من أحدثها وأشهرها (جماعة بورٍ أجن) التي تدعو إلى الدخول في النصرانية أو اكتشاف الدين النصراني من جديد.

إنهم يشعرون أن دينهم بحاجة إلى دماء جديدة، وإلى تغيير جديد ولأنه ليس ديناً حقيقياً، بل هو محرف، وهو منسوخ، فإنه لا مانع عندهم أن يجروا له عدداً من العمليات الجراحية؛ حتى يتلاءم مع الهدف المحدد الذي حركوه لأجله؛ لأنهم حركوه من أجل أن يوظف هذا الدين في مواجهة الإسلام وفي مقاومة المد الإسلامي، وليكون حصانةً فكرية وعقائدية ودينية، يغرون بها بسطاء العقول والسذج من بني قومهم لئلا يتأثروا بالإسلام.

إننا في الوقت الذي نجد فيه أن كثيراً من الناس في بلاد العالم الإسلامي، يستكثرون علينا صحوتنا الإسلامية، وعودتنا إلى دين الله تعالى، وتمسكنا به وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، على رغم أنه الدين الحق، وأن هذه الأمة بحمد الله مازالت راية الإسلام فيها مرفوعة هنا أو هناك لم تسقط أبداً: إذا مات فينا سيدٌ قام سيدٌ قئولٌ بما قال الكرام فعولُ فهذه الأمة في مجملها أثبتت أنها أمة الإسلام، وأنه إن تخلى منها قوم، خرج آخرون، كما وعد الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] وقال: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] .

هذا وعد قائم؛ قائم للجيل الأول، وقائم لي ولكم، وقال تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] .

إننا نجد اليوم أن رؤساء الدول الغربية وأن كبار العلماء، وكبار المتخصصين، وأصحاب الفكر، وأصحاب النفوذ، وغيرهم أنهم أصبحوا يطالبون بأن تقوم الدول الغربية بإشباع الحاجات المعنوية والروحية للإنسان، وقد قال كبير من كبارهم، ورئيسٌ لحامية الصليب في العالم، رئيسٌ سابق، قال: إننا لا يجوز أن نقصر مهمتنا على دعم العالم بالمساعدات المادية التي أثقلت ميزانياتنا، ولم تُجد نفعاً، ولكننا ينبغي أن ننتقل إلى تقديم المساعدات الروحية للعالم، وإلى إشباع الحاجات العاطفية للناس، ويجب أن نقدم لهم الإنجيل بيد، ونقدم لهم المساعدات باليد الأخرى.

ولهذا أصبحوا اليوم، يبتزون الناس بأموالهم ومساعداتهم، لصرف الناس عن دينهم، مقابل أن يشبعوا جوعتهم، أو يرووا ظمأهم، أو يكسوهم من عُري، أو يعالجوهم من مرض، أو يمنحوهم مساعدة، أو جنسية، أو منصباً، أو علاوة، أو رتبة، أو أي شيء آخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015