ولم يكن للباطل ظهور ولا انتفاش ولا انتشار ولا امتداد إلا في غيبة الحق؛ فإن أمامنا قاعدة ربانية راسخة، أنه كلما ظهر الحق خنس الباطل واختفى وهرب، قال الله عز وجل: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] وقال تعالى: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ:49] .
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً، كان في مكة، بل كان في الكعبة ثلاثمائة وستون نُصباً -صنماً- فكان عليه الصلاة والسلام يطعن هذه الأنصاب والأصنام بعودٍ في يده، فتتهاوى وتتساقط واحداً بعد الآخر، وهو يقول صلى الله عليه وسلم: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] وقال تعالى: {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ:49] .
إن تاريخاً طويلاً من الوثنية في جزيرة العرب ومن الشرك ومن عبادة الأوثان، حين كان العرب يعتبرون الصنم هو إلههم ومعبودهم ومرجعهم ومستشارهم، ومع ذلك هذا التاريخ الطويل العريض كله مسح في غداةٍ واحدة، حينما دخل النبي المصطفى المختار عليه صلوات الله وسلامه مكة فاتحاً، فكان يطعن الأصنام بعود، ما احتاجت إلى شيء آخر، ما احتاجت إلى فأس ولا إلى منجل، وإنما كان يطعنها بعود في يده، فتتهاوى وتتساقط، وكان ذلك إيذاناً بأن بنيان الباطل زائل مهما ضُربت حوله الطبول، ورفعت حوله الأعلام، وجندت له الجنود، فإن بناء الباطل مبنيٌ على شفا جرفٍ هار، فانهار به في نار جهنم فمتى ظهر الحق اختفى الباطل، ومتى علت كلمة التوحيد اندحر الشرك، إن كلمة الله تعالى لا يقف في وجهها أحد، وإن دين الله تعالى منصورٌ بقوة الحق الذي يحمله، ومنصورٌ بأن الله تعالى معه، قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128] وقال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] .