القدوة تكون في الخير والشر

التقليد يكون في الخير كما يكون أيضاً في الشر، ويكون في الحسنة كما يكون في السيئة، وفي القصة التي رواها أبو عمرو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، كما في صحيح مسلم: {أن قوماً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مجتابي النمار، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، وكان يظهر على هؤلاء القوم أثر الجهد والفقر والفاقة، فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما عليهم من أثر الفاقة، فأمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام فخطب الناس، وحمد الله وأثنى عليه، ثم دعا الناس إلى الصدقة، فقال: تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمره، فبدأ الناس يتصدقون حتى جاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده تعجز عنها بل قد عجزت، فألقاها، وصار هذا يأتي بثوب، وهذا يأتي بصاع تمر، وهذا يأتي بصاع بر، حتى صار أمام النبي صلى الله عليه وسلم كومين من طعام وثياب، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه سلم حتى كأنه مُذهبة من شدة الفرح والسرور، ثم قال صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة؛ فعليه وزرها ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء} .

تأمل هذه السنة الحسنة الواردة في هذا الحديث وهي الصدقة، فإن الناس اقتدوا فيها بمن سبقهم فتصدقوا، وتجد في مقابل ذلك -أيضاً- من أعرض عن الصدقة، أو سخر من المتصدقين، فقال لمن أتى بمال كثير: إن هذا إنما أراد الرياء والسمعة.

وقال لمن أتى بصاع من تمر مثلاً: إن الله غني عن صاع هذا، كما حكى الله عز وجل عن المنافقين الذين يلمزون المطّوعين من المؤمنين في الصدقة، قال: {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} [التوبة:79] .

فالقدوة تكون في الخير وتكون في الشر، ويقول صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق عليه: {لا تقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل} وهو عليه الصلاة والسلام يشير بهذا إلى قصة ابني آدم، التي حكاها الله عز وجل في كتابه، في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ الآية} [المائدة:27] وهي المشهورة بقصة قابيل وهابيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015