وإذا كان الأمر كذلك وكانت القدوة تكون في الخير وفي الشر، فإن هاهنا سؤالاً لا بد منه، وهو: كيف نستطيع أن نوجد للشاب قدوة في الخير سالمة من الشر، وسالمة من الخطأ ومن النفس، كيف السبيل إلى هذه القدوة؟ هذا سؤال أريد الإجابة عليه.
مرة أخرى: إذا كنا نعرف أن القدوة تكون في الخير كما تكون في الشر، فكيف السبيل إلى تحصيل القدوة السالمة من الخطأ، السالمة من النقص، السالمة من الشر؟ السبيل إلى ذلك هو أن يكون قدوتك الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنك إذا اقتديت بغيره اقتداءً مطلقاً، لا محيد لك عن الوقوع في الخطأ، أما الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو سالم من ذلك، ولذلك قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] .
هذا هو المستوى الأول والأعلى والأسمى من مستويات القدوة، ولكن هل هناك مستويات للقدوة تأتي بعد هذا المستوى؟ يمكن أن نجد مستويات أخرى، فمثلاً: يكون الشاب في كثيرٍ من الأحيان ذا ميل إلى نوع معين من أنواع النبوغ، كالعلم أو العمل أو الدعوة، أو التخصص أيضاً في علم من العلوم أو ما أشبه ذلك، فيحتاج إلى أن يكون أمامه شخص بارز بصفة خاصة في هذا المجال؛ ليسير على خطاه، ويجعله مثلاً أعلى له في هذا المجال، وهذا أمر طبيعي، فمثلاً الاقتداء بـ عمر بن عبد العزيز في العدل، أو بالإمام ابن تيمية في الجهاد والدعوة، أو بالإمام أحمد في الزهد أو في الصبر على العقيدة الصحيحة والثبات عليها، أو الاقتداء مثلاً بالإمام محمد بن عبد الوهاب في الدعوة إلى الله تعالى، وإقامة مجتمع صالح على أساس الكتاب والسنة، إلى غير ذلك من الشخصيات الكثيرة التي يمتلئ بها التاريخ الإسلامي.
هذا النوع من الاقتداء، يلبي رغبة وناحية جبلية وفطرية موجودة لدى الإنسان، وينبغي للإنسان أن يجعل له مثلاً أعلى من هؤلاء الأئمة ومن غيرهم، ولذلك روى أبو نعيم في الحلية، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه، أنه كان يقول: [[من كان متأسياً فليتأس بمن قد مات]] وكذلك تجد أن الفتاة المسلمة -مثلاً- هي بحاجة إلى أن تجعل من خديجة أو عائشة أو أسماء بنت أبي بكر، أو غيرهن من المسلمات مثلاً أعلى لها.