فإن الشاب في مرحلة الشباب بصفة خاصة، يميل إلى تكوين الصداقات المستقرة الثابتة، وإلى الانتماء إلى مجموعات معينة يشعر بأنه فرد فيها وعضو منها، لا أقول: إن هذا الأمر خاص بفترة الشباب، بل حتى الطفل يميل إلى الخلطة، وحتى الكبير كذلك، ولذلك قال ابن خلدون -تبعاً لـ أرسطو -: الإنسان مدني بالطبع.
وهو يقصد أن الميل إلى المخالطة والاحتكاك بالناس، أمر فطري غريزي مركوز في الإنسان، ولكنه يبرز في الشاب أكثر من غيره، فالشاب يميل إلى تكوين صداقات من نوع معين، ومن الشباب الذين يكونون في مثل سنه.
وهذه الصداقات تتميز بالاستمرار والاستقرار، فالطفل مثلاً يكون مع زملائه في الحي، فإذا انتقل أهله إلى حي آخر بدأ يلعب مع الأطفال في الحي الثاني، ونسي أصدقاءه السابقين، يكون في فصل في المدرسة -مثلاً- ويلعب مع زملائه، فإذا انتقل إلى فصل آخر نسي زملاءه السابقين وكوَّن صداقات جديدة، فصداقاته غير مستقرة ولا ثابتة، أما الشاب فصداقته تميل إلى الاستقرار والثبات.
الأمر الآخر: أن الشاب يحرص على الشعور بالانتماء إلى هذه الجماعة، سواءً كانت المجموعة مكونة من زملاء في المدرسة، أو في الحي، أو في المكتبة، أو في الحلقة، أو في المسجد، أو في غير ذلك، ويشعر بالأمن والطمأنينة بينهم، ويبثهم شجونه وآلامه وأحزانه، ويتحدث معهم في المشكلات التي يواجهها، وفي الطموحات التي يطمح إليها، وهو ينتظر من هؤلاء الشباب، لا أن يكونوا زعماء متسلطين يفرضون رأيهم عليه بالقوة، فإنه يكره مثل هذا النوع من العلاقة، وإنما ينتظر مجموعة من الأصدقاء الذين هم نظراء له يبادلونه الود والمحبة والمشورة.
والشاب أيضاً يكره الصداقة المفروضة عليه، فمن الصعب أن يفرض عليه أبوه أصدقاءً معينين، بل هو يختار لنفسه صداقة بنفسه، وهنا تكمن الخطورة، فإن الشاب لم يتدرب على اختيار الأصدقاء، وكثيراً ما يختار أصدقاء ويحسن بهم الظن، فيفاجئ بأنهم برزوا بصورة غير ما توقع؛ ولذلك يُحكى أن أعرابياً بالكوفة.
اختار صديقاً له، وكان يحسن الظن به أي إحسان، ويتخذه من عدده في الشدائد، فنزلت بهذا الأعرابي نازلة، فجاء لصديقه يطمع منه أن يعينه فيها، فتنكر له هذا الصديق وقلب له ظهر المجن، وكأنه لم يعرفه يوماً من الأيام، فولى هذا الأعرابي وهو يقول عن صديقه: إذا كان ود المرء ليس بزائد على مرحباً أو كيف أنت وحالك أو القول إني وامق لك مشفق وأفعاله تبدي لنا غير ذلك ولم يك إلا كاشراً أو محدثاً فأف لود ليس إلا كذلك لسانك معسول ونفسك هشة وعند الثريا من صديقك مالك وأنت إذا همت يمينك مرة لتفعل خيراً قابلتها شمالك فكم من إنسان يختار الأصدقاء ويحسن الظن بهم؛ فيجدهم على خلاف ذلك.
والضابط في اختيار الجليس الصالح هو أن تختار الشاب المتدين، الذي تزيدك صداقته قرباً من الله عز وجل، وتقوى له وعلماً وعملاً، وكم من الشباب كانوا منحرفين، فكانت هدايتهم -بعد توفيق الله وإرادته- على يد قرناء صالحين، وكم من شاب كان صالحاً فكان انحرافه وفساده، ووقوعه في المخدرات والمسكرات، وفي السفر وغيرها من ألوان الانحراف، على يدي قرناء سيئين.