التعدي على القيم الحساسة

المرحلة الثالثة: وهي أنهم يبدءون بعد ذلك بالتعرض والتعدي على ما يسميه بعض المؤلفين والمصنفين الذين كتبوا في تاريخ الدولة العثمانية بالقيم الحساسة، سواء كان المقصود بهذه القيم، القيم السياسية للدولة، كأسس النظام السياسي، والصلاحيات، أو القيم الشرعية، مثل القواعد الشرعية، والثقافية، للسلطة أو للمجتمع.

فيتعرضون للدين مثلاً، ويتعرضون للعلماء، ويتعرضون للقضايا الكبيرة الخطيرة، في هذه المرحلة الثالثة، رغبة في إحداث شيء من التوتر الجِدِّي، والإنشداد للمجتمع، وهذا أيضاً تمهيد عندهم لما بعده، وفي هذه المرحلة لا شك يملكون جراءة على الشرع، في وسائلهم وخطبهم وأحاديثهم وكلماتهم، ولو قرأت الصحف التركية التي كانت تصدر في تلك المرحلة؛ لوجدتها قريبة الشبة جداً بالصحف التي تصدر في هذا الوقت في عدد من البلاد الإسلامية، وأصبحت تحاول أن تنال في كل عدد من بعض القيم الدينية، وتشكك المسلمين في عبادة من العبادات، أو في جانب من جوانب الإسلام، أو تنال من عالم من العلماء، أو تحط من قدره، أو تحاول أن تكرس العلمانية "أن الدين لله والوطن للجميع"، أو " ما لقيصر لقيصر وما لله لله ".

ومما يجعل مواجهتهم صعبة في هذه المرحلة، أنهم لا يظهرون لتلك الدول على أنهم قوة واحدة متآلفة تخيف، بل تحالفهم خفي، يصعب إدراكه أو كشفه، ولذلك ينظر إليهم على أنهم أفراد، قد يكون لديهم نوع من الانحلال، قد يكون لديهم نوع من رقة الدين، قد يكون عندهم أفكار غريبة، لكن ليس هناك بينهم أي روابط تربط بينهم، فقد أفلحوا في إخفاء الروابط التي تربطهم، حتى لا يثيروا مخاوف الآخرين، وفي بعض تلك الفترات كانت الدول تعتمد عليهم في تحقيق قدر من الفساد الذي تريد، فتسند إليهم مهمة معينة، وتعطيهم الضوء الأخضر أن يفعلوا بعض الفساد، افعلوا، جربوا جرعة هنا، فإذا هضمها المجتمع يعطى جرعة أكبر منها، أما إذا عجز عنها فإنه من السهل التراجع عنها، على أن هذا العمل ليس عملاً رسمياً قامت به السلطة الرسمية، إنما هو عمل قامت به جهة معينة، ويمكن أن تردع وتوقف عند حدها، حتى قال أحدهم: إن حالهم في تلك المرحلة سواء في الدولة العثمانية أم في غيرها، كحال ذلك الرجل الذي كان يسرق الحجيج؟ فقد كان معه عصى، في نهايته محجن، فكان يمشي فيمر بالحجاج، فيجعل المحجن يتعلق ببعض المتاع ثم يجره إليه ويمشى، فإذا تفطن الحجاج لذلك التفت وقال: سبحان الله! ما علمت، إنما تعلق بمحجني من غير قصد، فرد إليهم مالهم، وإن لم يتفطنوا له أخذ المتاع وهرب به، أي أنها سرقة بطريقة ذكية مغلفة، يسهل التراجع عنها، هذه هي طريقة العلمانيين، يسرقون على طريقة صاحب المحجن، إن فُطِن قال: تعلق بمحجني وما علمت به، وإن لم يُفطن له مضى وحاول أن يسرق شيئاً آخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015