والعبادة أنواع: النوع الأول منها: الشعائر والقرب المحضة، مثل الصلاة، والصيام والحج الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة ومزدلفة، والمبيت بمنى، ورمي الجمار، والحلق أو التقصير في الحج والعمرة مثلاً، هذه وأمثالها هي شعائر محضة، وقرب محضة، لا يلابسها شيء آخر، فالعبد لا يصلي لأن الصلاة تكون سبباً لجمع المال مثلاً أو يصلي لأن الصلاة قوة للبدن، كلا، بل يصلي لأن الله تعالى أمر بالصلاة، ولهذا يصلي الظهر أربعاً، ويصلي الفجر ركعتين، ويصلي المغرب ثلاثاً، ويبدأ صلاته بالقيام ثم يركع ثم يسجد ثم يقعد ثم يسلم، يبدأ بهذا الترتيب وبهذه الصفة التي شرعها الله تعالى، لأنها عبادة إذا قال لك: قم تقوم، وإذا قال: اقعد تقعد، وإذا قال: اسجد تسجد، وإذا قال: التفت تلتفت، وإذا قال: لا تلتفت لا تلتفت، ولهذا تجد في موضوع العبادة والقربة المحضة إبراز جانب العبودية، وأن هناك رباً يطاع وعبداً ينفذ، مثلاً في الصيام لا تأكل ولا تشرب ولا تجامع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لكن إذا غربت الشمس يكون فيه أمر لك بأن تأكل أو تشرب، لأن وقت التعبد انتهى في هذه اللحظة، وانتقلت العبادة من عبادة بالصوم إلى عبادة بالفطر.
ومثله في الإحرام مثلاً فالإنسان عند الإحرام ممنوع أن يلبس ثيابه، إنما يلبس ثياب الإحرام بالذات، ويمتنع من محظورات الإحرام التي منها: حلق الرأس مثلاً، ومنها: الطيب وتقليم الأظافر، إلى غير ذلك، فإذا انتهى من إحرامه كان مأموراً أن يحلق رأسه -مثلاً- أو يلبس المخيط، ويتنظف وغير ذلك، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] ففيه معنى التعبد بغض النظر عن الفائدة الدنيوية المهم أنه فيه أمر تنفذه، ولهذا لا داعي أننا ندخل في موضوع التعبد المصالح العاجلة، يعني لا معنى في نظري أننا نأتي للصلاة، ونقول: الصلاة رياضة للأبدان، وفيها صحة وعافية وتنشيط، هذا الكلام لا فائدة منه، لأن هذا وإن قاله أحد لكن يبقى أن الصلاة عبادة أمر الله بها فتنفذها، أفادتك في الدنيا أم لم تقد، حتى لو ضرت تؤديها، لأن الله أمر بها والله تعالى لا يأمر بما يضر، ولكن جدلاً.
أما النوع الثاني: مما يدخل في معنى العبادة العام: هو القيام بما يحتاجه الإنسان في أموره الدنيا بنية صالحة، مثل: النكاح، والأكل والشرب، والنوم، والبيع، والشراء، وألوان التجارات، والعلوم الدنيوية، وتحصيل الصناعات وغيرها، فهذه الأشياء من الواضح أن هذه الأمور ليست من القرب المحضة والعبادات المحضة ولكن من الواضح أن الأمة تحتاجها وفي مجملها لابد للناس منها، ولهذا جاء الأمر بها، كما في قوله: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15] وغير ذلك إجمالاً فإذا استحضر العبد فيها النية الصالحة أُجِرَ على ذلك.