Q كيف تقنعني بوجود الله؟
صلى الله عليه وسلم أولاً: قبل الخوض في الأدلة على وجود الله، الإنسان يدرك أن قضية الدين قضية خطيرة في حياته، وأنه إذا صدق ما يقوله أهل الأديان، فإن من الخطورة بمكان أن يبقى الإنسان بعيداً عن هذا الدين، ولذلك فعلى كل إنسان يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً، أو من أي ديانة، أن يفكر تفكيراً جدياً صحيحاً في الدين، ويبحث عنه بحثاً جاداً، لا يكتفي بأن يوجه سؤالاً بمناسبة محاضرة مثلاً، لا، بل يحاول أن يبحث بجدية في هذا الأمر، أكثر من أن يبحث عن الشراب والطعام؛ لأن الدين يقول للإنسان: إن الإنسان بعد موته مقبل على جنة ونار، فإن كان مؤمناً فهو في الجنة له فيها كل ألوان النعيم، لا يخرج منها أبداً، وإن كان كافراً فله نار وعذاب، فيها ألوان النكال والخزي لا يخرج منها أبداً، فالأمر إذاً صعب وخطير، فعلى كل إنسان أن يبحث بصدق عن الدين، ويجتهد في الوصول إليه ومعرفة أدلته، حتى يقتنع به بوضوح، أو يرده إن كان لديه عدم قناعة، لكن عندنا نحن المسلمين قناعة بأن أي إنسان متجرد، فإنه لا يمكن -بحالٍ من الأحوال- أن يبحث بصدق عن الدين الحق إلا ويهتدي للإسلام، وهذا عهد قطعه الله سبحانه وتعالى على نفسه، قال الله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فمن جاهد، وبذل جهده في الوصول إلى الحق بتجرد وإخلاص، فإن الله عز وجل تكفل بأن يهديه إلى الحق، الذي تعب في البحث عنه، فلابد أن نعطي قضية الدين اهتماماً حقيقياً، أكثر من اهتمامنا بأمورنا الدنيوية العاجلة.
أما حول قضية الإيمان بوجود الله، فالأدلة كثيرة جداً، ومثل هذا الموضوع يتطلب محاضرات خاصة، وهناك كتب خاصة أيضاً مؤلفة في هذا الموضوع، لكن أضرب مثلاً واحداً وهو: هذا الإبداع الموجود في الكون، هذه النجوم والكواكب والقمر والشمس والكون بما فيه هذا الإنسان، لو نظرنا في الحياة كلها؛ لوجدنا فيها من دقة الصنع وبديع الخلق وإحكام التنسيق ما يبهر العقول، واسأل الأطباء -مثلاً- عما في جسم الإنسان من الإبداع، اسأل الفلكيين عما في الكون ونجومه وأقماره وعوالمه من الإبداع، واسأل كل أهل صنعة عما يجدونه من الدقة والحكمة والإبداع.
هذه الحكمة التي قام الكون عليها، ووجد الإنسان ووجدت الحياة، وهذه الدقة هل يتصور أن تكون حصلت بمحض الصدفة؟ هذا مستحيل! انظر -مثلاً- لو أنني سلمتك الآن كتاباً مطبوعاً من ستمائة صفحة بعنوان واسم المؤلف وعنوان الكتاب وعنوان الباب، وفصول ومعلومات منظمة وحقائق علمية وطباعة فاخرة، وفهارس ممتازة وكتاب مطبوع طباعة فاضلة جداً وراقية، سلمتك هذا الكتاب، هل يمكن أن يخطر في بالك أو أن تصدق يوماً من الأيام أن هذا الكتاب انطبع بنفسه؟! وضعت آلة كاتبة مثلاً، ووضع عندها ورق، ومتطلبات أخرى، ثم أُغلقَ باب الغرفة التي فيها الآلة، وبعد فترة وجيزة وجد أن هذا الكتاب قد طُبِعَ، لا يدرى من الذي جمع المعلومات التي فيه، ولا من الذي أبدع الأفكار الموجودة فيه، ولا من الذي قام بالطباعة، ولا من الذي قام بالصف، ولا من الذي قام بالتصوير، ولا من الذي قام بترتيب الصفحات، ولا من الذي قام بتجليد الكتاب، ولا يعرف شيئاً من ذلك إطلاقاً، بل لا أحد قام به! إن هذا ضربٌ من الخيال! والإنسان بطبيعته إذا ترك شيئاً من الأشياء، ثم رجع فوجده قد غير عما في عهده، يعلم بأن هناك أحداً تدخل فغير الأمر.
انظر في نفسك كموظف، لو أتيت إلى طاولتك من الغد، فوجدت أن الأوراق التي فيها، قد أخذت وعدلت وبدلت ووضع غيرها، وأن محتويات المكتب قد غيرت عما عهدت، فإنك حينئذٍ تقطع قطعاً؛ بأن هناك أحداً قد جاء بعدك، وغير هذه الأشياء.
فعند الإنسان فطرة، أن كل شيء يحدث في الكون لابد له من محدث، فالكون كله بما فيه الإنسان العاقل، الواعي الفاهم المدرك من الذي خلقه؟ لا يوجد أحد يدعي أنه خلق هذا الكون، أو أحد يتصور أنه خلق هذا الكون إلا الله عز وجل وحده لا شريك له، والأدلة على ذلك كثيرة جداً لا يتسع المجال لذكرها.