الشعوب والعامة من الناس

أما الفئة الثانية: فهي الشعوب أو الرعاع أو الدهماء أو العامة من الناس، وهؤلاء أيضاً يكون منهم طغيان بطغيان سادتهم، فمثلاً هذا الإنسان الأعزل الذي لا يملك شيئاً من الدنيا، وليس لديه علم ولا عقل، ولكنه مع ذلك يقوم في الإذاعة أو التليفزيون أو في الصحافة، أو على المنابر فيتكلم بالحط من شأن الدعاة إلى الله تعالى، واتهامهم بما هم منه براء، والتشكيك في نياتهم، وفي مقاصدهم، وفي أهدافهم، وفي أعمالهم، وفي مستقبلهم، وغير ذلك، هذا العمل الذي يقوم هو طغيان لاشك، لكن من أين استمد هذا الإنسان طغيانه؟ من الكبراء والسادة، لأنه يأوي في زعمه إلى ركن شديد، فهو يتكلم وهو يشعر بأن وراءه ظهراً يسنده ويشده ويؤازره، ولهذا عقَّب الله تعالى على هذا كله بقوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات:54] أي: أعرض عنهم واستمر على دعوتك، وليس بضروري أن ترد على كل ما يقال في شأنك، فإذا قالوا: اليوم ساحر ليس بلازم أن النبي أو الرسول يأتي بأدلة أنه ليس بساحر والدليل أنه كذا وكذا، ولهذا لا نقول إن الرسول عليه السلام أجاب على دعواهم بأنه ساحر أو أجاب عليها، الله تعالى تولى الدفاع عنه أنه ليس بساحر، قالوا: شاعر أجاب عنه بأنه ليس بشاعر، قالوا: مجنون أجاب عنه بقوله: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] فقط نفى تكذيب لهذا الخبر، لكن هل نقل أنه جعل له رد ويأتي بالحجج والبينات إنه ليس بساحر، أو ليس بمجنون، ماذا يمكن أن يقول إنسان وصف بأنه مجنون؟ فكيف يثبت أنه ليس بمجنون، يأتي بأدلة يقول: أنا عندي كذا وأنا شأني كذا وأنا صفتي كذا، لا داعي، لماذا؟ لأن الذين أطلقوا عليه هذه الفرية، هم أعلم الناس بكذبها، وأنها اختلاق وأنها مجرد تشويش.

إذاً: فالحل هو الإعراض، ولهذا أمره الله بالإعراض في مواضع كثيرة، منها هذا الموضع {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] أعرض عنهم فيما ألصقوه بك من التهم؛ السحر والشعر والجنون وغيرها، ولا تلتفت إلى ذلك، واستمر في الدعوة، من أين أخذنا واستمر في الدعوة؟ من قوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] أي: هؤلاء وإن أعرضوا، وحاربوا، وأجلبوا، واتهموا، وكذبوا، إلا أنهم لن يضروا إلا أنفسهم، أما من أراد الله تعالى له الهداية والقبول فإنه سوف تصله كلمة الحق مهما شوشوا في وجهها وأجلبوا، فاستمر في دعوتك وذكِّر واستمر على تذكيرك، وسينتفع بتذكيرك من أراد الله تعالى لهم أن يهتدوا ويؤمنوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015