أهل المناصب والرياسات

النوع الأول: الكبرياء والسادة، أهل المناصب والرياسات والسياسات، فهؤلاء دائماً هم أول من يحارب الرسل والأنبياء، لأن دعوة الرسل والأنبياء خطرٌ يهددهم فعلاً، فهذا السيد المطاع الذي لا يخلف له أمر ولا إشارة، لأنه تعزز عليهم بأمر من أمور الدنيا، فإذا أطاع الناس الأنبياء افتضح هذا الإنسان وبان عوراه، ولهذا أبو جهل وأبو لهب ردوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الناس حين يؤمنون بالرسول عليه الصلاة والسلام، سيكون أبو جهل وأبو لهب مجرد أتباع مثل غيرهم من الناس، ولن يكونوا سادة، وعبد الله بن أبي بن سلول في المدينة كان ينظم له الخرز حتى يملك على الناس، فلما جاء الرسول عليه الصلاة والسلام قطع الطريق على هذه الرياسة الجاهلية الدنيوية، ولهذا غصَّ بالإسلام ولم يقبله بحال من الأحوال، حتى الصحابة أدركوا ذلك منه وقال بعضهم: يا رسول الله! ارفق به لقد أكرمنا الله بك وإنا لننظم الخرز له لنملكه علينا، فهو يرى أنك قد سلبته ملكاً كاد أن يبلغه، وقل مثل ذلك بالنسبة لفرعون وهامان وقارون، ولهذا ذكر الله تعالى في مواضع، أن الرسالة موجهة إلى هؤلاء أولاً قبل غيرهم، فمثلا موسى، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ} [غافر:24] موسى ما أرسل إلا إلى هؤلاء الثلاثة فقط؟ كلا، موسى أرسل إلى الناس، إلى بني إسرائيل كلهم وغيرهم، ولكن المقصود أن هؤلاء الثلاثة هم الرؤساء والسادة الذين جروا الأمة ورائهم إلى الضلال، ولهذا قال: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الدخان:18] .

إذاً: الدعوة توجه للكبراء وعلية القوم في هذه الآيات؛ لأنهم هم الذين يقودون أممهم، وهؤلاء غالباً هم أعداء الرسل، وهم الذين إذا رفضوا الدعوة بدءوا يحشدون العداوة لها، ويؤلبون الناس وضدها، هذا في الواقع ملموس جداً، الأمم الغربية الكافرة اليوم، هذا مثال لا يلزم أن تجد كل نصراني أو يهودي لو باحثته وحادثته وجدت عنده كراهية للإسلام وحقداً على الإسلام، قد يكون الكثير منهم لا يعرف الإسلام أصلاً ولا يدري عنه شيئاً، ولكن مع ذلك نحن نعلم يقيناً وقطعاً أن هذه الأمم الغربية هي التي سوف تحارب الإسلام والمسلمين، سواء في ميادين الحرب والمعركة أو في ميادين السلام، لماذا؟ لأن لهم زعماء وقادة يحرضونهم ويؤلبونهم، وإذا احتاج الأمر إلى تحريك هذه العداوات حركوها، مثل ما كان من قوم نوح، يقولون للشعوب: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23] فيحركون العداواة عند الشعب ضد هذا الداعي.

إذاً الفئة الأولى: فئة الكبراء أو الأكابر أصحاب النفوذ والسلطان، وهؤلاء طغيانهم ظاهر لأن بأيديهم القوة التي يتسلطون على الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015