الموضع الثاني: قوله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:52-53] وفيه إشارة إلى أن مواقف الأمم المعاندة لا يتغير من وقت لآخر، فهو موقف ثابت عبر العصور، كل أمة جاءها رسول فكذبته، قالوا له ساحر أو مجنون، فمنهم من قال إنه ساحر وذلك لما يرون من قوة تأثير كلامه ووقعه في النفوس، ومنهم من قال مجنون إشارة إلى أنه بما هو مخالف وغير مألوف، ولهذا قال الله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ} [الذاريات:53] ؟ هل أوصى بعضهم بعضاً بهذه الكلمات، فيرددها الأولون والآخرون؟ فهؤلاء يقولون: إن به سفاهة، وأولئك يقولون: به ضلالة! وهؤلاء يقولون: مجنون! وهؤلاء يقولون: اعتراه بعض آلهتنا بسوء، وهؤلاء وهؤلاء، هل أوصى بعضهم بعضاً بهذه الكلمات؟!! لا، {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53] .
إذاً: الدوافع واحدة والأسباب واحدة، فكانت النتيجة واحدة، جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم، ولم تعتد آذانهم سماعه، ولم تألف حياتهم هذه الأوامر والنواهي، فردوها ورفضوها وعيروا النبي بأنه ساحر أو مجنون، بسبب الطغيان الذي قام في نفوسهم، والطغيان: هو مجاوزة الحد، والله تعالى وصف أعداء دينه بالطغيان، في مواضع كثيرة، منها هذا الموضع {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53] وفي ذلك إشارة إلى أن أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام على نوعين:-