بمعنى أن يكون الإنسان مسلماً لله عز وجل، مُسلِّماً عاملاً بأمر الله، تاركاً لنهيه فيما صغر أو كبر دون تردد أو اختيار، ممتثلاً لقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] وهذه الأشياء الثلاثة هي متلازمة فيما بينها، فمن يقرأ النص أو الوحي قراءة صحيحة، ويتلقى عنه فلا بد أن يتأثر به تأثراً وجدانياً عميقاً، ومن يتأثر بالوحي تأثراً عميقاً لا بد أن يجعل حياته تطبيقاً عملياً لما في قلبه.
ولكن لننظر -أيها الإخوة- في واقعنا وواقع المسلمين اليوم، انظر إلى مسلم نشأ في بيئة يوجد فيها انحرافات عقائدية كثيرة، يوجد فيها عبادة لغير الله، يوجد فيها تقديس للأولياء والصالحين، يوجد فيها سؤال لهؤلاء فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وهم أموات في قبورهم، يوجد فيها الذبح والنذر لغير الله، والحلف بغير الله، يوجد فيها الانحراف في أسماء الله وصفاته، إلى آخر ما يمكن أن تتصوره من أخطاء عقائدية، فهذا المسلم الذي نشأ في هذه البيئة إلى أي حد تجد لديه الاستعداد الحقيقي للتخلي عن هذه الموروثات التي نشأ عليها منذ نعومة أظفاره حين يعلم أن النص الشرعي يصادم ما وجد عليه مجتمعه؟! الواقع أن كثيراً من هؤلاء بدلاًُ من أن يترك ما عهد عليه الآباء والأجداد، ويستجيب لما دلت عليه النصوص، أنه يلجأ إلى تأويل النصوص وتحريفها، والبحث عن أحاديث واهية أو مكذوبة أو تأويلات منحرفة خاطئة يُسوِّغ بها ما يجد عليه آباءه وأجداده ومجتمعه، ليقول: إن ما هو قائم في هذا المجتمع هو أمر حق ولا غبار عليه، وهذا محك حقيقي لمن يستسلم فعلاً للنصوص ويسلم لها ويتلقى عنها ولمن يطوع النصوص ويؤولها لما قام واستقر في ذهنه.
وخذ مثلاً آخر: انظر إلى واحد من بيننا يجد في مجتمعه عادات وتقاليد وموروثات في أمور اجتماعية، وهذه العادات يعلم أن النصوص الشرعية تناقضها وتصادمها، فلا تجد أن هذا الإنسان يحارب هذه العادات، ويعمل على إزالتها، وتوعية الناس بخطرها، بل يبحث عن تأويلات ونصوص لجعل هذه العادات أموراً يقرها الشرع، أو لا يخالفها.
من أبسط الأمثلة على ذلك: قد ينشأ الإنسان في بيئة المرأة فيها سافرة، تسلم على الرجل وتخلو به ولو كان أجنبياً، فبدلاً من أن يعلم الناس أن الشرع خلاف هذا، تجد أنه يبحث عن أقوال لأحد الفقهاء أو تأويلات تسوغ ما وجد عليه ذلك المجتمع، والأمثلة كثيرة جداً، وأنا أدعو نفسي وأدعو كل واحد منكم إلى أن ننظر في مألوفاتنا العقائدية والعملية وأن نعرضها على الكتاب والسنة؛ حتى يكون اعتقادنا وعملنا موافقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
والمتصفون بهذه الصفات هم الدائرة الثانية من دوائر النجاة، ولذلك سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الفرقة بالفرقة الناجية، وحكم على غيرها أنها في النار، أي: تعذب في النار بقدر انحرافها، ثم تخرج منها ما دامت مسلمة متى شاء الله عز وجل.