وهذه الحقيقة هي من البدهيات المعلومات بالضرورة من دين الإسلام، والتي لا يختلف فيها المسلمون في قديم الدهر وحديثه، والنصوص القرآنية والنبوية فيها أكثر من أن أتذكر، وأشهر من أن تحصر، ولكن لعل من المناسب أن نقف عندها قليلاً لذكر بعض النصوص؛ لأننا نجد في هذا العصر أن بعض الكتاب يشككون في هذه الحقيقة، ويقولون: إن نظرة المسلم في هذا العصر إلى نفسه على أنه أفضل من كل الناس غير المسلمين نظرة فيها كثير من المبالغة والتعالي الذي لا يوجد ما يشهد له.
ولعل من المناسب أن أذكر أن هناك مجلة كويتية هي مجلة العربي دأبت في كثير من أعدادها على التشكيك في هذه الحقيقة، حقيقة أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم، وأن الكافر مخلد في النار، فهي تتحدث كثيراً عما يسمى بالحوار الإسلامي المسيحي، أي: اللقاء بين المسلمين والنصارى في مؤتمرات عقدت في لبنان أو قرطبة أو ليبيا أو في الفاتيكان أو في غيرها للتقارب بين أعظم ديانتين في الأرض -كما يقولون- الإسلام والمسيحية -أي النصرانية.
وقد كتب أحد كتاب هذه المجلة مقالاً في أحد أعدادها بعنوان (المسلمون والآخرون) ولعل من المناسب أيضاً أن أقرأ عليكم قليلاً مما قال، لتدركوا خطورة هذه الدعوى.
يقول: هذا الكاتب في مقاله هذا: (ليس صحيحاً أن المسلمين في هذه الدنيا صنف متميز ومتفوق من البشر بمجرد كونهم مسلمين، وليس صحيحاً أن الإسلام يعطي أفضلية للمسلمين ويخص الآخرين بالدونية، وليس صحيحاً أن ما كتبه أكثر الفقهاء في هذا الصدد هو دين ملزم وحجج لا ترد، إنما هو اجتهاد يخطئ ويصيب) .
إن هذا الكاتب يجعل من النصوص القرآنية المحكمة والأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة اجتهاداً لبعض الفقهاء يخطئ ويصيب، وهو يشكك في قضية ليست موضع خلاف، بل هي معلومة من الدين بالضرورة، ومن أنكرها فقد أنكر جزءاً لا يتجزأ من دين الإسلام، وقد يكون هذا الإنكار مؤدياً إلى الكفر بالله عز وجل.
ثم إن هذا الكاتب الآن يحدثنا عن سبب الشبهة الخطيرة التي وقعت في فكره، وهو أنه رأى المسلمين في هذا الزمان متخلفين في شئون الدنيا في الصناعة وفي العلوم الطبيعية، ورأى أن أعداءهم من اليهود والنصارى قد تفوقوا عليهم في هذا المجال فالتبس عليه هذا بذاك، ونسي أن العزة التي ينفخها الإسلام في أتباعه ليست بسبب تفوقهم الدنيوي، إنما هي بسبب تميزهم بالانتساب إلى الدين الوحيد المقبول عند الله عز وجل في يوم القيامة.
يقول: (لقد سمعت واحداً من خطباء الجمعة اعتلى المنبر ليحدثنا في أن المسلمين خير أمة أخرجت للناس، وذهب به الحماس إلى حد دفعه أن يسفه غير المسلمين جميعاً، ويتهمهم بمختلف النواقص والمثالب، ثم يدعو الله في الختام -وحوله مئات من المصلين يؤمنون- أن يدك بيوتهم، ويزلزل عروشهم، ويفرق شملهم، ويهلك نسلهم وحرثهم، ونحن جميعاً نؤمن مع هذا الخطيب على هؤلاء الكفار، مهما يكن في أيديهم من المال أو السلطان) .
ويقول الكاتب: (كنت جالساً في الصف الأول في مسجد فرش بسجاد مصنوع في ألمانيا الغربية، وترطب حرارته مكيفات أمريكية، وتضيئه لنبات هنغارية، بينما كلمات الخطيب تجلجل في المكان عبر مكبر للصوت هولندي الصنع، وعندما هبط شيخنا ليؤمنا في الصلاة، تفرست في طلعته جيداً؛ لأجد أن عباءته من القماش الإنجليزي، وجلبابه من الحرير الياباني، وساعته سويسرية، وقد وضع إلى جوار المنبر حذاءً إيطالياً لامع السواد.
وذهب يكتب خمس صفحات كلها تدور حول هذا الموضوع، وختم مقاله بالحديث عن الآيات والأحاديث التي فيها تفضيل جنس الإنسان من حيث هو إنسان، ونسي هذا الكاتب الآيات والأحاديث التي حكم الله عز وجل بها على الكفار بأنهم كالأنعام بل هم أضل) .