المقطع السابق من السورة كان موضوعه قصص الأنبياء السابقين مع أممهم عليهم الصلاة والسلام، أما في هذه الآيات فهي دروس متعددة في الكون، وفي النفس، وفي التاريخ، تُطَوِّف بالإنسان في هذه الآفاق، وتبدأ بموضوع يتكرر كثيراً خاصة في الآيات المكية، وهو موضوع النظر في آيات الله تعالى الكونية، من السماء، والأرض، وما بينهما، وغير ذلك، فالله تعالى يذكر السماء، وأنه بناها، وكثيراً ما يعبر في السماء بلفظ البناء، البناء الدال على القوة والدقة، والإتقان، والصَنْعَةِ، بل قال سبحانه: {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] والأيد: معناها القوة، يعني: السماء بنيناها بقوة، تقول: فلان رجل أيِّد، يعني قوي، وليس المقصود -والله تعالى أعلم- الأيدي في هذا الموضع، مع أن الله تعالى ذكر في مواضع لفظ الأيدي، إثبات الأيدي له، كما في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً) [يس:71] وذكرها بلفظ التثنية أيضاً في قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] وأيضاً بلفظ التثنية: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] وذكرها بلفظ الإفراد كما في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64] وأيضاً {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10] وأيضاً {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {يد الله ملأى لا تغيضها نفقة} لكن المقصود بهذا الموضع في سورة الذاريات، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] يعني: بنيناها بقوة، الأيد: هو القوة، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47]