شهداء الله في الأرض

الميزة الرابعة: أن هذه الأمة هم شهداء الله تعالى في الأرض، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أنتم شهداء الله في الأرض} .

إن معنى الشهادة: هو أن نشهد على الناس بحسن القول والعمل إن أحسنوا، وبضد ذلك إن أساءوا أو فرطوا معناه: أن هذه الأمة أمة العدالة أمة الحق أمة الإنصاف لا تنساق وراء الهوى، ولا وراء العواطف، ولا وراء القرابات، ولا وراء المجاملات؛ وإنما تشهد للمحسن بأنه محسن، حتى ولو كان بعيداً، وتشهد على المسيء بأنه مسيء، ولو كان من أقرب الأقربين.

ولذلك: إذا رأيت هذه الأمة قد شهدت شهادة الزور، وغيرت وبدلت؛ فاعلم أن هذه الأمة قد انحرفت عن سواء السبيل، ولم تعد جديرة بالوعد الإلهي والتمكين الذي وعده الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات حين ترى هذه الأمة تضلل الصالحين، فتصفهم -أحياناً- بأنهم من المتطرفين، وأحياناً بأنهم من الأصوليين، وأحياناً بأنهم من الإرهابيين، أو أنهم من أهل الفساد والإفساد، كما نجده في الإعلام العربي في جميع بلاد الإسلام؛ فإن هذا آية على أن هذا الإعلام ومن يقف وراءه على الأقل؛ قد انسلخوا عن حقيقة الانتماء إلى هذه الأمة، وغيروا وبدلوا، وأتوا بمذاهب ونظريات، ونظم غريبة دخيلة على هذه الأمة وحين ترى هذه الأمة قد أصبحت تلهج صباح مساء بالثناء على من غيروا شريعة الله تعالى، وحكموا بغير هديه، واستنوا بغير سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وحكموا بالجبت والطاغوت، ووالوا أعداء الله تعالى، ومدوا أيديهم إلى الكفار من اليهود والنصارى؛ فإن ذلك آية ودليلٌ على أن الشهادة التي أؤتمنت عليها هذه الأمة، لم تعد جديرة بها؛ فقد وضعتها في غير محلها، وشهدت شهادة الزور على أولئك المغيرين المبدلين.

ومثله: حين ترى هذه الأمة قد أبرزت المشبوهين فكرياً من أهل الحداثة، وأرباب العلمانية وغير ذلك من المذاهب الأدبية، أو المذاهب الفكرية، وقدمتهم على أنهم نماذج للجيل، يحتذى بفكرهم، ويتبع علمهم، وتقرأ مؤلفاتهم، وتدرس نظرياتهم، وتحفظ نصوصهم، فإن ذلك دليل على تغيير هذه الأمة للشهادة الذي أؤتمنت عليها وحين ترى هذه الأمة قد مدحت أهل الدنيا، ومدحت أهل الانحراف وأهل الفن، وأهل الكرة، وأهل الرياضة، وغير ذلك، ومدحتهم بما لم يكونوا جديرين به، وقدمتهم للشعوب والأجيال على أنهم هم الأسوة والقدوة الذين ينبغي أن يتربى الجيل على نمطهم، فإن ذلك نوعٌ من الانحراف في الشهادة.

ومثله: حين تركض الأمة وراء رايات الجاهلية، الراية اليهودية: المتمثلة في السلام العالمي الذي ينادي به اليهود، ومن يدور في فلكهم؛ لجعل المنطقة الإسلامية -خاصة- منطقة نفوذ إسرائيلية، وتطويع الشعوب المسلمة، والثروات المسلمة، والعمالة المسلمة، للسيطرة اليهودية، والخبرة اليهودية، والإدارة اليهودية، أو تركض الأمة أحياناً وراء الرايات النصرانية: المتمثلة بما يسمى بالنظام الدولي الجديد الذي أصبح مفضوحاً -من يومه وليلته- في مواقفه السوداء من المسلمين المضطهدين، في البوسنة والهرسك، أو المضطهدين في أي بلدٍ في العالم، أو من مأساة المسلمين في الصومال، أو من موقفه من اليهود، أو من مواقفه الأخرى، التي أصبح مفضوحاً بها للقاصي والداني.

إذاً: حين تشهد الأمة شهادة الزور؛ يتبين أنها قد بدلت وغيرت، وانحرفت عن سواء السبيل ومثله -أيضاً-: حين تتأخر الأمة عن موقعها، وعن مركزها في القيادة والتوجيه والريادة، وتصبح في آخر القائمة، وفي ذيل الشعوب والأمم، لا تشهد أصلاً، ولا تستشهد بل أمرها كما قيل: ويقضى الأمر حين تغيبُ تيمٌ ولا يستأمرون وهم شهودُ لأنه لا وزن لها، ولا قيمة لها، مع أنها أكثر الأمم عدداً وعدة فهم كعدد الرمل والحصى والتراب، وهم أكثر الشعوب إمكانيات اقتصادية وثروات طبيعية، وهم يحتلون أفضل المواقع الجغرافية والاستراتيجية، ويملكون من الإمكانيات التي منحت لهم من الله عز وجل، ما هو مصداقٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {بينا أنا نائم إذ أُتيت بمفاتيح الأرض أو مفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي} ولكنهم -مع ذلك- لم يكونوا جديرين بإنسانيتهم، وبعلمهم وبمواقفهم وبرجولتهم وبقدرتهم على اغتنام الفرص، وبتمسكهم بدين الله تعالى، وبطاعتهم لله عز وجل، وبالتزامهم بشريعته، وباتباعهم لسنة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلم يكونوا جديرين بذلك كله حتى يجعل الله تعالى لهم قيادة الشعوب والأمم، كما جعلها للذين من قبلهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015