بقاء الطائفة المنصورة

فمن فضائل هذه الأمة: بقاء الطائفة المنصورة فيها إلى قيام الساعة، كما تواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس} وهذا الحديث متواتر، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أمر هذه الطائفة أموراً منها: أولاً: أنها جماعة مجتمعة على الحق داعية إليه، لم تجتمع على قبيلة، ولا على أسرة، ولا على وطن، ولا على دنيا، وإنما اجتمعت على الحق الذي تنادي به وتدعو إليه، وتنافح عنه وتجاهد في سبيله.

ثانياً: أنها قائمة على الحق، فهي تحمل الحق المجرد الذي يشاب بشائبة من باطل، ولا ينتمي إلى فكرٍ غربي أو شرقي مستورد، وإنما ينبع من صميم هذه الأمة وسر وجودها، وهو الإسلام (القرآن والسنة) .

وثالثاً: أنها ظاهرة على الناس فهي ليست مجموعة مستترة خفية لا يعلم بها إلا آحاد الناس أو أفرادهم، وليست -أيضاً- فئة قليلة نادرة توجد في بلد، ولا توجد في بلد آخر، وإنما هي ظاهرة معلنة معروفة منصورة مؤيدة من الله.

رابعاً: أنهم يدعون إلى الله تعالى، ويقاتلون في سبيل الله، وإذا كنا نعلم أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث معاذ: {وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله} وهذه الطائفة تقوم بهذه الشعيرة العظيمة، وهذه الفريضة الكبيرة، وهي فريضة الجهاد في سبيل الله، فمعنى ذلك: أن غيرها من الفرائض والشعائر والشرائع قد قاموا بها من باب الأولى والأحرى والأجدر فمن قام بأمر الجهاد؛ فقد قام بما دونه من الدعوة والعلم والتعليم وغير ذلك من ألوان الفروض، سواء كانت فروضاً عينية، أم كانت فروضاً كفائية، قال الله عز وجل: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:181] .

إنه لا يخلو عصرٌ من قائمٍ لله تعالى بحجة، ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، كما جاء في بعض الأحاديث عن سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام: {إن الله تعالى يقيض لهذا الدين من كل خلفٍ عدوله} ففي ذلك توثيق وتعديل لأهل العلم، ولهذا أقول لنفسي ولغيري: ينبغي علينا مع استفراغنا للجهد في القيام بأمور الإسلام وتكاليفه وتبعاته، ينبغي مع ذلك كله أن نعمل ونحن قريرو الأعين، مطمئنو النفوس، واثقون أن الله تعالى لم يكل هذا الدين إلينا، وأن الله تعالى لا يزال يحفظ دينه بمن ينتدبهم لذلك ويخلقهم له، كما وعد عز وجل في محكم التنزيل، فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] وقال عز وجل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015