ذم الزمان فيه تبرير الفشل والإخفاق والعجز

العيب الخامس: أن عيب الزمان -وهذا من أخطر الأمور-: تبريرٌ للفشل والإخفاق والعجز فكلما عانى الواحد منا أمراً من أمور الدعوة أو الجهاد أو العلم، ففشل فيه بعض الفشل أو كله، كان أسرع ما يمر بخاطره، وأول ما يقول على طرف لسانه: (الله المستعان هذا زمان الغربة) ، نعم قد يكون الأمر كذلك، وقد تكون تعيش زمناً من أزمنة الغربة؛ لكن سلفك الصالح رضي الله عنهم لم يكونوا يقولون هذه الكلمة: (هذا زمان الغربة) ، وحاشاهم أن يقولوه فراراً من الاعتراف بالتقصير أو العجز، أو تهرباً عن المراجعة والتصحيح، بل كانوا يقولون ذلك؛ لتصبير النفس على دين الله عز وجل، وتعزيتها على ما فاتها من الخير، ولم يكونوا يتوقفون عن الدعوة لهذا السبب، أو لاقتناعهم بهذه الكلمة أما اليوم: فالكثيرون يكتفون بهذه الكلمات، يكتفون بها عن الرجوع إلى أنفسهم، أو عن معرفة أخطائهم، أو عن تفسير الفشل والإخفاق -الذي منوا به- تفسيراً علمياً موضوعياً صحيحاً.

هذا داعية يخطئ في أسلوب الدعوة، ولا يملك التسلل إلى قلوب الناس، ويتجاوز الصفات والأخلاق الشرعية، فإذا رُدَّتْ دعوته، هز رأسه يمنة ويسرة، وقال: (هذا زمان الغربة) ، وهذا آخر: ينكر المنكر بشدة وقسوة وتعسف، ويتعدى ما أمر الله تعالى وما نهى، فإذا وقع عليه لومٌ أو عتابٌ أو تقريعٌ، أو ذمه الناس أو عابوه، أظهر التصبر والتجلد، وقال: (هذا زمان الغربة) ، وهذا ثالث: يخوض معركةً جهادية مع أعداء الإسلام أياً كان لونهم، وأياً كانت مذاهبهم، ولم يعد لهذه المعركة عدتها ولم يحمل لها سلاحها، فإذا لم يتجاوب الناس معه أو لم يجرِ النصر سريعاً؛ قال: (هذا زمان الغربة) !.

بل ربما رأى الإنسان من ولده انحرافاً؛ لأنه قصر في تربيته، أو من زوجته سوء خلق؛ لأنه لم يعتنِ بها، ولم يؤدِ حقها؛ فحينئذٍ يعزي نفسه عن ذلك كله، بقوله: (هذا زمان الغربة) ، وقد نسي أنه قصر في حق الزوجة، أو قصر في تربية الولد، أو قصر في إعداد العدة للجهاد، أو قصر في القيام بأمر الدعوة، أو قصر في التزام الشريعة -بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وستر ذلك التقصير كله بهذه الكلمة، بل ربما أخطأ في حق صديقه أو زميله، فإذا رأى منه إعراضاً أو جفوة، تعذر بأن (هذا زمان الغربة) ، وهكذا يظهر جلياً أننا نتذرع بهذه الكلمة، ونتترس بها -أحياناً- لنستر بها عيوبنا وأخطاءنا، ونفر من الاعتراف بذلك، وحاشا أن يكون سلفنا الصالح قصدوا هذا المعنى أو أشاروا إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015