ذم الزمان فيه نسبة الأشياء إلى غير فاعلها

أولها: أن ذلك نسبة للأشياء إلى غير فاعلها الحقيقي وهو الله تعالى بل فيه تشبه بالمشركين الذين كانوا يقولون: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] ولذلك نهى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ذم الزمان وعيبه، ففي الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار} فبين الله عز وجل أن سب الدهر لا يجوز، وأنه أذية لله عز وجل، وأنه وضع للشيء في غير موضعه، فلا ذنب للدهر، وإنما الدهر مخلوق مدبر مسير بيد الله عز وجل الذي يقلب الليل والنهار، كما قال الله عز وجل: {يقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [النور:44] .

وفي رواية قال الله تعالى في الحديث القدسي: {لا تسبوا الدهر؛ فإني أنا الدهر} وليس المعنى: أن الدهر اسم من أسماء الله تعالى -كما فهم الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى! مخالفاً في ذلك رأي كافة أهل العلم- وإنما المقصود بقوله تعالى: {أنا الدهر} ما فسره قوله: {بيدي الأمر أقلب الليل والنهار} ، وإلا فالدهر ليس من أسماء الله تعالى.

ولهذا كان بعض الشعراء مفصحاً عن الحقيقة، منكراً على الذين يعيبون على الدهر؛ حين قال: يا لائم الدهر إذا ندى لا تلم الدهر على غدره الدهر مأمورٌ له آمرٌ ينصرف الدهر إلى أمره كم كافرٍ بالله أمواله تزداد أضعافاً على كفره ومؤمنٍ ليس له درهماً يزداد إيماناً على فقره لا خير في من لم يكن عاقلاً يبسط رجليه على قدره وقال آخر: ما الدهر إلا ليلة ويوم ما العيش إلا يقظة ونوم يعيش قوم ويموت قوم والدهر قاض ما عليه لوم أو: والدهر ماضٍ ما عليه لوم.

فإنما هو مسيرٌ بيد الله عز وجل الذي يقلب الليل والنهار.

إذاً: نسبة الأمور إلى الزمان، وعيب الدهر وذمه وسبه، هو خطأ شرعي من جهة أنه نسبة الشيء إلى غير فاعله الحقيقي وهو الله عز وجل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015