صغائر الذنوب

هذه أربع ساحات في الحرب، ثم هل يتركه الشيطان؟ لا بل ينتقل معه إلى ساحة خامسة, ألا وهي الصغائر التي يعملها الإنسان ولا يبالي بها، وهذه الصغائر التي يعملها الإنسان هي ما لم تصل إلى حد الكبيرة, وقد مثل لها العلماء: أن الصغيرة هي مثل النظرة التي ينظر بها الإنسان إلى محرم, أو الخطوة التي يخطو بها, أو البطشة التي يبطش بيده, أو بأذنه التي يستمع بها إلى محرم, قال العلماء: إن هذه صغيرة، ولكن إذا توغل الإنسان وباشر المعصية واستمر فيها، تحولت الصغيرة إلى كبيرة, وكما يقال: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.

وبعض العلماء قال: إن الإنسان ربما يتهاون بهذا العمل؛ فتكون الصغيرة أقبح من الكبيرة، ولا شك أن الصغيرة هي أقل درجة من الكبيرة, ولكن متى تكون الصغيرة أقبح من الكبيرة؟ قال العلماء: إذا استجاب الإنسان لنداء الشيطان، وتساهل بالمعصية ولذلك يقول بعض العلماء -وهذا مثل أصبح راجحاً عندهم-: "إن الإنسان ليعمل الحسنة يدخل بها النار, ويعمل السيئة يدخل بها الجنة"، فهل هذا الكلام صحيح أو غير صحيح؟ يعني هل الإنسان إذا عمل حسنة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى يدخل بها الجنة أو يدخل بها النار؟ قال العلماء: إن هذا المعنى صحيح حيث إن الإنسان دائماً يعمل المعصية ويأخذه التهاون بهذه المعصية, فتصبح المعاصي عنده حقيرة كما جاء في الأثر الذي فيه تشبيه حالة الكافر أو المنافق إذا عمل المعصية كأنه ذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار، فلا يبالي الكافر بالمعصية, فالمسلم إذا تهاون بالمعصية سواء كانت صغيرة أم كبيرة, فإن هذا الأمر عظيم عند الله سبحانه وتعالى.

وربما أن الإنسان يكون طوال عمره مواظباً على الأعمال الصالحة، ولكن يعمل سيئة واحدة, قال العلماء: يدخل بها الجنة.

فكيف أن هذا المؤمن الذي يعمل عملاً صالحاً ويعصي هذه المعصية يدخل بها الجنة؟ إن المعصية لا يدخل بها الجنة, بل تقرب من النار, لكن هذا المؤمن لما عمل هذه المعصية، أصبحت بين حاجبيه وبين عينيه, وأصبح يرى هذه المعصية -ولو كانت صغيرة- أصبح يراها ويتصورها كأنها جبل عظيم، يكاد أن يسقط على رأسه.

فما تزال هذه المعصية بين عينيه، فدائماً يلح ويستغفر الله سبحانه وتعالى، فيعفو الله سبحانه وتعالى عن هذا الإنسان.

فيجب على الإنسان ألا يتساهل في المعصية أياً كانت، ولا يفتح المجال لنفسه بالتساهل في المعاصي, فما أهلكنا وأبعدنا وما أمرض قلوبنا، بل أماتها التساهل بالمعاصي, وهذا الجانب جانب عظيم لابد أن ينتبه له كل إنسان منا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015