الأمر الثالث: الاهتمام بأي بادرة صلاح تظهر عند الولد، وبعض الآباء قد يظهر على ولده شيء من الصلاح، يكون مع رفقة صالحين في حلقة للقرآن الكريم، أو مع زملاء في المدرسة، أو مع زملاء في الحي، فيهم خير وصلاح، فهنا يأتي دورك، وهو دور كبير جداً، تثني على الولد في وسط زملائه، وفي وسط الأهل، وأمام إخوانه أن فلاناً -ما شاء الله! - إنه مع رجال فيهم خير، فلان بن فلان، وفلان بن فلان، ما شاء الله تبارك الله! وتثني عليه، فترتفع معنوياته بمثل هذا الثناء.
كذلك عدم إثقال الولد بالأمور الشكلية التي لا لزوم لها، فإذا كنت -مثلاً- في دكان أو مزرعة، فإذا وجدت ولدك منصرفاً إلى أعمال طيبة، مثل حفظ القرآن، وطلب العلم، وصحبة الأخيار، فلا تمنعه -من منطلق أنه متدين يشعر بوجوب السمع والطاعة لوالده- وتقول له: لا أسمح لك بالخروج، لا أسمح لك بالذهاب في الليل، لا أسمح لك بالذهاب في هذه الرحلة، لا أسمح لك بالذهاب للحج أو العمرة، لا أسمح لك بشراء كتاب، وتصبح القضايا كلها عبارة عن لاءات متتالية أمام الولد، كلما قال لك شيئاً تقول: لا.
لا.
لا! فما هي النتيجة؟! أحدثكم عن تجارب رأيتها بعيني، صحيح أنه من الأولاد من يصبر، ويحتسب، ويرزقه الله عز وجل طمأنينة، ويحاول أن ينجح، لكن هناك كثيراً من الأولاد إذا وصل الأمر إلى هذا الحد، غضبوا وانفعلوا، ولم يطيقوا صبراً على مثل هذا الأمر، فانحرفوا وضلوا، وتركوا زملاءهم الطيبين، فما هي النتيجة؟ النتيجة أن الولد ما عاد يهتم بوالده، رضي أو سخط، فيصبح الود الذي بالأمس مفقوداً.
كان يمنعه أبوه أن يتأخر ساعة بعد العشاء مع زملاء طيبين، فأصبح يجلس أسبوعاً في البر، أوفي سفر، ووالده لا يدري أين هو، كل يوم يخشى أن يفاجأ بخبر مزعج عن ولده، والولد الذي منعه أبوه من السفر إلى حج أو عمرة، أصبح يسافر إلى بانكوك، وتايلاند، ومانلا وباريس وكازبلانكا وغيرها من بؤر الرذيلة والفساد، وكذلك الفتى الذي منعه أبوه من السفر إلى أفغانستان للتدرب أو للجهاد، أو لغير ذلك، أصبح يذهب مع قرناء السوء في مشارق الأرض ومغاربها، وهكذا يساهم الأب من حيث لا يشعر في جر ولده إلى الانحراف.
إذًا يجب عليك أن تشجع أي بادرة صلاح تلحظها في ولدك، ومن تشجيعك له ألا تشغله ببعض الأمور الجزئية أو الشكلية التي يمكن الاستغناء عنها، ويمكن أن تقوم بها أنت أو أحد إخوانه، أو حتى موظف آخر، حتى لا تكون هذا سبباً في انقطاعه عن زملائه الطيبين.
ومن التشجيع أيضاً تحسين صورة الولد عند أصدقائه، مثلاً أن تقول للولد: ادع أصدقاءك الطيبين إلى وليمة، وخذ هذه مائة أو مائتين أو ثلاثمائة ريال اشتر بها ما تحتاجون، وادعهم الليلة أو غداً إلى غداء أو عشاء أو ما أشبه ذلك، وإذا حضر هؤلاء الأصدقاء تأتي أنت وتسلم عليهم، وتدعو لهم وتشجعهم ثم تخرج، لأن الكلام الذي تقوله أنت قد لا يصلح لهم، خاصة إذا كنت كبير السن، والكلام الذي يريدون أن يقولوه هم لا يستطيعون أن يقولوه وأنت حاضر، فأنت من جيل وهم من جيل آخر، فلا مانع أن تدعهم يأخذون راحتهم بكلام طيب، ما داموا طيبين، لكن تأتي وتسلم وتطمئن على الوضع، وأنه وضع جيد، ثم تتركهم بعد ذلك، فهذه ترفع معنوية الولد عند زملائه، المهم أن تبذل كل وسيلة ممكنة لتعميق وتوطيد صلة ولدك بزملائه الطيبين، ولا تعترض على هذه الصلة وإن خسرت منها أشياء، قد لا يذهب معك في بعض الأحيان إلى الدكان، قد لا يشتغل معك في المزرعة، هذا كله صحيح، لكنَّ صلاح الولد أهم من كل هذا.